::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> أقلام نسائية

 

 

مع الشّباب -3- ((بها فقدت رجولتك!))

بقلم : دعاء الأصفياء  

 

 

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والصّلاة والسّلام على رسوله الكريم

 

تبدأ

حياتَك وليداً، فتكبَر، ثمّ تكبر، ثمّ تكبر... إلى أن تصبح طفلاً يحمل ما يحمل من معاني الطّفولة والبراءة، ثمّ تغدو ماضياً في ترعرعك إلى أن تبلغ تلكم المرحلة الخطيرة من عمرك، بل هي أخطر مراحل حياتك على الإطلاق، وفي هذه المرحلة تدفعك طبيعتك للبحث عن طريقة تُلبسك ثوب الرّجولة؛ لتبدو أمام النّاس كباقي الرّجال.

        هنا تتباين السّبل الّتي من خلالها يسعى شبابنا لإثبات رجولتهم، وما أغربها من سبل! فنجد أحدهم ساحباً سيف التّسلّط على أخٍ له أصغر منه، ملقياً أوامره الّتي لا بدّ بتنفيذها - في نظره - من بروز صفة الرجولة فيه. ونجد آخر يغضب بين الحين والآخر، ويُكثر من هذا الغضب لسبب أو دونما سبب؛ حتّى يبدوَ رجلاً له هيبته ومكانته بحقّ. وذاك يبتغي من أسرته اعتماداً عليه، وأخذاً برأيه في كلّ شأن من شؤونها، ليجود على أفرادها بآرائه وقراراته الّتي لا يراها إلا صائبة. وغيرُه يحبّ أن يغدو، ويروح، ويذهب مع أصدقائه، ويصرف المال، مُشعِراً نفسه أنّه مسؤول، ويمكنه التّصرّف كالرّجال، وفي النّهاية على الأهل في البيت ألا يتدخّلوا بشؤون حياته، أو يسألوه عمّا يقوم به من أفعال.

تتعدّد الأساليب الّتي يتّبعها الشّابّ في أوّل شبابه لإشعار كلِّ من حوله أنّه رجلٌ ذو شأن وقرار، لكنّ الفعل الّذي يُثير الدّهشة والاستغراب، بل هو أغرب من كلّ الأفعال الّتي أسلفت بذكرها هو أن يبدأ ذلك الشّابّ بالتّدخين؛ ظنّاً منه أنّ من يرى في فمه لفافة التّبغ فسيُؤخذ به، ويُكبِره، ويرى فيه الرّجولة واضحة المعالم، ربّما دافعه إلى ذلك أبوه الّذي لا تُفارق اللّفافة فاه، أو صديقه الّذي وقع في فخّها قبله، ولعلّه يرى الرّجال من حوله يدخّنون، فيجزم أنّ من اكتسب الرّجولة اكتسبها بالتّدخين.

        قلّي يا من بنفثة دخان غدوت رجلاً! عندما تمسك لفافة التّبغ وتضعها في فمك أحقّاً تشعر أنّك رجل؟ أقنعني فأنا لا أقتنع بذلك! مفهوم خاطئ سادَ عالم الشّباب المدخّنين أنّ كلّ من يدخّن أصبح رجلاً. قرأت مرّة على أحد المواقع الإلكترونيّة عبارة تقول: "تهنئة إلى السّيّد (فلان) بسبب تعلّمه التّدخين، وأنّه الآن أصبح في صفوف الرّجال". فأتبعتُ هذا الكلام بتعليق كتبت فيه: "أحرّ التّعازي لكلّ من تعلّم التّدخين لأنّه خرج من صفوف الرّجال". أي إنْ كنت بدأت بدخول عالم الرّجولة، فإنّك بالتّدخين ستخرج قطعاً من هذا العالم. معي حقّ، أليس كذلك؟ طبعاً معي الحقّ كلّه! وسأخبرك لماذا: عادةً وعندما تمرّ على مسامعنا كلمة "رجل" فإنّ أوّل ما يرد على البال كلمة "عقل"، فالرّجل بعقله يفكّر، ويحسب حساباً لعواقب الأمور، بعقله يدبّر، وبعقله يخطّط، وبعقله يدير أسرة فما فوقها، ليبلغ بهذا العقل إدارة أمّة، هذا هو الرّجل بمفهوم عقلانيّ، فصفة العقلانيّة ملازمة لصفة الرّجولة، ومقترنة بها. والآن دعنا ننسب كلمة "مدخّن" إلى كلمة "رجل" لتصبح "رجل مدخّن"، ممكن؟ معقول؟ لا لا! مستحيل! وأيّ عاقل يعلم أنّ التّدخين يتلف دماغه، ثمّ يدخّن؟ أيّ عاقل يعلم أنّ التّدخين يسبّب له أمراض السّرطان، ثمّ يدخّن؟ أيّ عاقل يعلم أنّ التّدخين يضرّ برئتيه، ثمّ يدخّن؟ أيّ عاقل يعلم أنّ التّدخين يؤذي قلبه، وربّما يودي به إلى التّوقّف، ثمّ يدخّن؟ أيّ عاقل يعلم أنّ التّدخين لا يترك جزءاً من جسده إلا ويُلحِق به البلاء، ثمّ يدخّن؟ أيّ عاقل يعلم أنّه بمرافقته لتلك اللّفافة يصعد سلّم الموت درجة درجة، ثمّ يدخّن؟ أجبني على هذا السّؤال: هل يُعقل أن تذهب إلى بائع وتشتري منه سمّاً، ثمّ تبدأ باحتساء هذا السّمّ؟ هذا ما تفعله تماماً عندما تدخّن.

إذاً ماذا نستنتج؟ نستنتج أنّه لا اقتران لكلمة "مدخّن" بكلمة "رجل"، لماذا؟ لأنّه لا يوجد رجل عاقل يدخّن! ربّما يقول أحدكم: "أنا أريد أن أتركها، لكن ما باليد حيلة! فلا أملك الإرادة الكافية الّتي تعينني على تركها". يا للعار! ومسلوب الإرادة أيضاً؟ رجل إرادته ضعيفة؟! ما بهذا يتّصف الرجال! ثمّ إنّي لا أصدّق هذا الكلام، لو أردت حقّاً الإقلاع عن التّدخين فستملك الإرادة الّتي تمكّنك من ذلك، وبعدها ستكره لفافة التّبغ، وتحقد عليها، أتعرف ما السّبب؟ السّبب هو أنّك بتركك التّدخين ستولد من جديد، وستحيا حياة الرّاحة والنّعيم، وستثبت بجدارة حينها أنّك رجل.

ربّما أنت الآن مستهزئ بكلّ كلمة قرأتها، ولا زلت مقتنعاً بأنّ التّدخين يكسبك الرّجولة، ومصمّماً على الاستمرار فيه، لكنّي سأعطيك الدّليل الّذي لن تخالفني بعده في أنّ المدخّن ليس رجلاً: هل يمكن لرجل أن يعصي الله في أمره؟ أنت بممارستك التّدخين تخالف أوامر من خلقك، معصية الله وحدها تكفي لإخراجك من عالم الرّجولة والرّجال، وبها لا يمكن حتّى أن تكون رويجلاً، أرَجلُ من يسمع كلام ربّه: "ويحرّم عليهم الخبائث"، ثمّ يرتكب ما حُرِّم عليه، ويتناول ذلك الخبيث؟ أرجل من يسمع إلهه يناديه من فوق سبع سموات: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة"، "ولا تقتلوا أنفسكم"، ثمّ يسعى بيده إلى قتل نفسه وإهلاكها؟ أريدك أن تعلم أنّ هذا الدّخان الّذي تشربه منقوع في الخمر! أليس ذلك كافياً لأن ينفي عنك صفة الرّجولة؟ بل وأيضاً يمكنني أن أطلق عليك لقباً متناسباً مع ممارستك هذه العادة القبيحة، هذا اللّقب هو: "عابد لفافة التّبغ". الآن سيزداد استهزاؤك وتقول: "ما الّذي جرى لها؟ لا بدّ أنّها أصيبت بالجنون! عابد لفافة التّبغ؟؟!!! كيف يكون ذلك؟ وهل أنا أسجد لتلك اللّفافة أو أركع لها؟ أنا أعبد الله وحده لا شريك له!". أليس ذلك هو موقفك من كلامي؟ ليكنْ. لكنّي مصرّة على إطلاق هذا اللّقب عليك ما دمت مدخّناً، أنا لا أقصد أنّك تسجد لها، أو تركع لها، أو توحّدها، لكن عندما تعصي الله، وتؤثر التّدخين على اتّباع أمره، ألا تكون حينها عابداً للفافة التّبغ؟ إنّك بمجرّد مؤاثرتِك شهوتَك على طاعة الله فإنّك عابد لهذه الشّهوة أيّاً كانت، ولا شرط في ذلك أن توحّدها.

        لنتكلّم بمنطق العقل، ومنطق الرّجولة: والله إن بقيت مدخّناً فلن تحصد إلا النّدم عاجلاً أم آجلاً، كذاك الّذي تراه في الصّورة. أحبّ أن أذكّرك بالموقف الّذي لا بدّ أن تقفه يوماً بين يدي ربّ العباد، والسّؤال هذه المرّة: أيّها الشّابّ! فيمَ أفنيت جسدك؟ هيّا أوجد الإجابة الّتي ستخلّصك من هذا الموقف المحرج. ما هي إجابتك؟ "يا ربّ! لم أستطع ترك التّدخين، حاولت كثيراً، فلم أتمكّن، كنت في مرحلة الشباب أراني بمظهر جذّاب وأنا أدخّن، إلى أن استحكمت هذا العادة في نفسي، وداومت عليها". مظهر جذّاب؟؟ ومن قال لك ذلك؟! والله لست بجذّابٍ مع التّدخين، بل إنّك بشع ومنفّر! والأبشع هو ذلك الموقف الّذي ستقفه ولم تكن تحسب له أيّ حساب. لذلك أسرع واتركها، ابتعد عنها، انبذها، هيّا ولتثبت رجولتك، ولتعلم أنّه لا رجولة مع التّدخين، ولا تدخين مع الرّجولة.

ربّما قسوتُ في خطابي هذا، يمكنني أن أكون أكثر ليناً وترفّقاً! حتّى يمكنني ألا أُتعب نفسي أصلاً وأكتب هذه الكلمات!! وما ضرّني أنا إن لم تترك التّدخين؟! لكن تأكّد أنّ هذا - واللهِ - من دافع الغَيرة على شباب أمّتنا، فأنتم الأمل المشرق، والمستقبل الواعد، ولن نجني الثّمار الطّيّبة إلا بأيديكم. فهلا عقلتم ووعيتم؟؟؟

 

 

 

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 3220

 تاريخ النشر: 22/07/2009

2009-07-23

مخلص

كثير من المدخنين يتصورون أن الرجولة تكمن بحمل باكيت الدخان و التنفيخ في وجوه الناس ... أصبت الحقيقة و الله

 
2009-07-23

مخلص

زادك الله عطاء ، اسم تعودنا على قراءة الجديد

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 672

: - عدد زوار اليوم

7401127

: - عدد الزوار الكلي
[ 43 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan