حوار مع الأديب الطبيب أحمد خيري العمري
بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم
رسالتي - السلام عليكم دكتور أحمد ..
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته...
رسالتي - هل لك أولاً أن تُحدثنا عن نفسك، من أنت ؟
أنا طبيب أسنان عراقي من مواليد عام 1970 ، أنتمي لأسرة موصلية الأصل ، لكنها استقرت في بغداد منذ أوائل القرن العشرين. نشأت في بيت تحتل المكتبة والكتب جزءاً أساسياً فيه. كانت الكتب عملياً، في كل مكان. والدي رحمه الله كان قاضياً لكنه كان مهتماً بالتاريخ، ولديه كتب مهمة في تاريخ العراق المعاصر، على الرغم من أن مجال كتابته ، يختلف عن المجال الذي كنت أكتب فيه، إلا أن ما علق في ذاكرتي من انكبابه على الكتابة لا بد وأن ترك أثراً ما، أصيب والدي بالشلل وهو في ذروة عطائه، و كنت في العاشرة من عمري.. وظل يتواصل معنا عبر الكتابة إلى أن توفي بعد ثلاث وعشرين عاماً من الصراع مع المرض، ولا بد أن يكون لذلك أثر في داخلي.
عدا هذا، نشأت في أسرة ترى المستقبل الجيد لأبنائها إما الطب أو الهندسة، على عادة الكثير من الأسر في مجتمعاتنا العربية، موضوع الكتابة لم يؤخذ بشكل جدي من قبل أسرتي، وطالما أنه لم يؤثر على دراستي، فلم يكن هناك أي اعتراض منهم على (أكوام) الكتب التي كنت أقرأها، وقد مرت الأسرة، بعد مرض والدي ، بضائقة مالية، وكان لا بد لبعض الأشياء أن تحذف، لكن ليس الكتب. فقد كانت والدتي لا ترد لي طلباً طالما تعلّق بالكتب، وليس بثياب جديدة مثلاً!.
رسالتي - متى أتيت من العراق ؟؟ و لماذا غادرته ؟
الذي دفعني للخروج من العراق، هو ما دفع الملايين غيري: الاحتلال وتداعياته الأمنية بالطبع. خرجت من بغداد في تموز عام 2006.
رسالتي - ما هو رأيك بالشام ؟
لن أخفي حبي الشديد للشام. ربما كلمة حب هنا قاصرة.. أنا "منحاز" للشام وللشوام أيضاً. انحياز يضم الحب طبعاً، ولكنه يضم أيضاً أشياء أخرى.
هناك أولاً دَيْن، في رقبتي، ورقبة كل العراقيين الشرفاء ، للشام ولكل سورية، إذ إنها الوحيدة التي فتحت حدودها وأبوابها من بين كل دول الجوار العراقي ، وقد تحملت جراء ذلك الكثير، وتحمل أهلها الكثير من الأعباء جراء ذلك، ورغم ذلك، فقد تحملوه بأناة وطول بال.
إضافة إلى ذلك (الدَين العام)، فهناك دَين شخصي في رقبتي تجاه الشام، ولا يمكن أن أخفي ذلك أو أنكره، فالشام هي التي قبلتني وطبعت لي وأخذتني إلى كل مكان واستقبلتني مجالسها بحفاوة بالغة، كما تكون لي فيها صداقات مضيئة، وتكونت لي أيضاً جذور بأسرع مما توقعت، حتى أني، قضيت فترة عابرة في إحدى دول الخليج، لكني كنت في حالة شوق شديد للشام..
لا يمكن أن أتحدث عن الشام دون أن أتحدث عن "دار الفكر " مثلاً.. و لا أريد هنا أن أقول ما يمكن أن يعتبر مجرد مجاملة من كاتب لناشره ، فعلاقتي بالأستاذ عدنان سالم أكبر من ذلك بكثير.. كذلك لا يمكن أن أتحدث عن الشام دون أن اذكر دور السيدة "أم بشر"- هدايت سالم – التي كانت أكثر من أم بالنسبة لي.. قدمت النقد و النصح والإرشاد و الدعم و الإسناد ..كانت أفضل ما يمكن لكاتب أن يحصل عليه في بداية طريقه..
عدا عن الدين الشخصي والعام، هناك ما لا يمكن أن يتجاوز من اللطف والذوق الشاميين، الذي يميز حضارة الياسمين، ربما لم يعد (الياسمين) موجوداً كما كان في البيوت الشامية القديمة – لكنه سكن ألسنة الشوام وجعل ذلك اللطف علامة مميزة لهم.
باختصار، الشام (مروحنة) جداً، حسب التعبير الشامي، إنها مدينة فيها حميمية من نوع خاص، وهذا يجعل انحيازي لها، أمراً حتمياً..
رسالتي - تتنوع كتبك في أنماط مختلفة بين الفكر والأدب والرواية، كيف تفسر ذلك؟..
هذا صحيح.. الفكرة عندي هي الأساس، و هي فكرة "النهضة" تحديداً ، لكني أحاول تقديمها بشكل مختلف لإيصالها لقارئ مختلف. كان (البوصلة القرآنية) يمثل بحثاً عن أسس عقلية للنهضة تتشكل عبر القرآن، وكان هذا البحث يفارق في بعض النقاط الرؤية التقليدية السائدة، هذه الفكرة أو على الأجل جزء منها عرضت بشكل روائي، ولقارئ يمكن أن يكون أصغر سناً في (أبي اسمه إبراهيم)، في (الفردوس المستعار) المنطلقات القرآنية تتعارض مع القيم الوافدة، (سلسلة ضوء في المجرة) محاولة لتقديم الدعوة بأسلوب أدبي مختلف، وسلسلة (كيمياء الصلاة) تجمع بين فكر النهضة و فقه الشعائر كما مرًّ..
أما (ليلة سقوط بغداد)، فهي بمثابة سيرة ذاتية تجاه تجربة السقوط ، الاحتلال..
رسالتي - فلنبدأ مع السلسلة الرائعة ( ضوء في المجرة ) .. ما هي ملامح الدعوة التي أوردتَها في سلسلة ( ضوء في المجرة ) ؟
كانت (ضوء في المجرة) بمثابة دورة تدريبية لي على نمط كتابة مختلف. ربما ليس في السلسلة فكر كالذي في البوصلة القرآنية – كتابي الأول – ولكن فيه بالتأكيد أسلوب مختلف في عرض الأفكار. أفكار السلسلة عموماً مقاربة للموجود في موضوعات الدعوة والوعظ، لكني كنت أشعر، ومنذ زمن بعيد، أن تكرار النمط الواحد في الوعظ، قد جعله يكّف عن التأثير في الكثير من الناس، خصوصاً الناس (غير الملتزمين) الذين يجب أن يكون الخطاب موجهاً لهم!.. لذلك حرصت، في السلسلة، على تقديم نمط مختلف في الأسلوب، نمط شخصي وحميم، يقدم الفكرة نفسها، ولكن من مدخل آخر..
رسالتي - ( غريب في المجرة ) آخر كتب سلسلة ( ضوء في المجرة ) يدل على أن صديقك الذي ذكرته في هذه الرسائل حقيقي وموجود، وأن السلسلة بالفعل كانت موجهة إليه..
لكننا حين نقرأها نشعر بأنها موجهة إلينا، وهذا ما سمعته من كثير ممن تناقشت معهم حولها، فقد قال لي أغلبهم ما معناه: شعرت بأن الكلام موجه إلي، ما هو السر في تأثيرها هذا برأيك ؟؟ خصوصاً وأن ناشر هذه السلسة قد أوحى بذلك عندما كتب على الغلاف الخلفي لها: [ إنها رسائل مكتوبة من أجل إنسان واحد فقط، لكنه إنسان حقيقي: قد يكون أي واحد منا، بكل خفاياه وخباياه وخطاياه ورغباته وخيره وشره ]؟؟
هذا صحيح.. السلسلة كتبت أصلاً لشخص واحد. لم يكن (صديقي) عندما بدأت الكتابة، لكن صداقتنا تشكلت بالتدريج وعبر الكتابة والتفاعل معها. هذا (الشخص) كان يمثل الكثيرين طبعاً، كان ممثلا عن "الجيل " بأسره كما كتبت في إهداء "غريب في المجرة".. كنت واعياً بذلك منذ البدء ، ليس فقط لأن المشترك الإنساني أوسع مما نتخيل خاصة أمام قضايا كالتي نوقشت من خلال السلسلة ، و لكن لأن هذا الصديق كان يمثل بالذات النمط الذي في ذهني "للقارئ " الذي أتوقع أن تغييره سيسهم في تغيير المجتمع : إنه ذلك القارئ الذي ، بسبب من السياسات التعليمية ، حاز على شهادة جامعية ، ولكنه لم يحصل على "الثقافة" بمعناها العميق ..أي أنه حاز أدوات معينة يمكن أن تسهل تفاعله مع الفكر الذي أريد توصيله. هذه الفئة واسعة جداً و هي مهمة جداً في الوقت ذاته.. وكان صديقي ، الحائز على شهادتين جامعيتين ، نموذجاً جيداً لهذه الفئة..
كنت واعياً أيضاً، أن ما كنت أكتبه، سيجد طريقه للنشر، وسيخرج من نطاق الرسائل الشخصية، إلى نطاق أُسميه و بلا حرج نطاق "الأدب الدعوي" ، لكني لم أكن أدرك أن ذلك سيحدث بالسرعة التي حدث بها لظروف لا مجال للخوض فيها الآن . خاصة أن الرسائل كلها – كتبت في الفترة ما بين كتابة البوصلة القرآنية، وخروجها من المطبعة، وكنت واضحاً تماماً في أن ما يكتب الآن، سيكون-لاحقاً- في متناول الجميع، وقد أشرت لذلك أيضاً، تحريرياً، في (غريب في المجرة)، الجزء الأخير من السلسلة..
رسالتي - يقول الناشر في مقدمة سلسلة ( ضوء في المجرة ) :
[ الكلمة تخيف .. وبعض الكلمات ترعب ..
والكلمة مسؤولية .... والمسؤولية لها ما وراءها ..
وحين تصدر الكلمة، وتكون أحياناً كالقنبلة التي تُحدث الانفجار، حين ذلك لا يمكن أن ترجع أو تُسترجع.
على أن أجزاء هذه السلسلة ليست قنابل، ولا تُحدث الأذى، ولكنها أجراس قوية وضعيفة تُوقظ النائمين، وتُنبه الغافلين، وتهدي الحيارى ].
كيف تقوم هذه السلسة بهذه المسؤولية التي تحدث عنها الناشر في كلماته الرائعة تلك ؟؟
إن كانت السلسلة فعلا قد نجحت بذلك ، فهو أمر يعود ، و بعد توفيق الله عز و جل إلى اتباع نمط حميم في الكتابة..انه الحديث الهامس الذي يشبه البوح الحميم .. لا أنكر أن الصراخ العالي قد يجدي أحياناً .. لكن الهمس الحميم قد يجدي أيضاً..
رسالتي - وهل أثّر ذلك على أسلوبك في الكتابة؟..
بالتأكيد. لقد كنت أؤمن دوماً – على الأقل منذ أن كنت في الخامسة عشر- أن الكلمة المكتوبة يمكن لها أن تغير الإنسان. في تلك السلسلة بذلت جهدي في أن أكتب ما يسهم في التغيير. (تقنية) الكتابة كانت منصبة على ذلك، وقد تركت أثراً في كل أسلوبي لاحقاً. هناك شيء من هذا التوجه في البوصلة القرآنية التي سبقت ضوء في المجرة.. لكن التفاعل الإنساني المباشر في هذه السلسلة كرّس هذا الأسلوب وعمقه، وقد ظهر أثر ذلك في كل ما كتبته لاحقاً..
رسالتي - هل من فرق بين هذا النمط من الكتابة و بين الكتابة العادية ؟
الكتابة لشخص واحد عملية أكثر صعوبة، وحساسية، هناك تفاعل مباشر، ورد فعل منتظر من شخص بعينه قد لا يكون مهتماً بالأمر، أو قد لا يكون هناك رد فعل أصلاً، بينما الأمر مختلف في الكتابة العادية لأن رد الفعل قد يأتي من أشخاص مهتمين و دفعهم اهتمامهم إلى اقتناء الكتاب و ربما لن يكون هناك رد فعل وسيقنع الكاتب نفسه أنه يكتب للأجيال !! هنا، في ضوء المجرة، حاولت أن أتجاوز ذلك، لا أريد أن أكتب للأجيال اللاحقة الافتراضية التي لن أتمكن من معرفة رأيها بما أكتب.. أريد أن أكتب لشخص من لحم ودم..
رسالتي - لكن بطريقة ما، بدا أنك أيضاً تكتب للجميع و للأجيال أيضا ؟!..
بالضبط.. يبدو أن الكتابة للأجيال تمر بشخص من لحم ودم!
رسالتي - رواية ( أبي اسمه إبراهيم ) رواية للناشئة كما كُتب عليها، وعندما قرأتها وجدت أنها تصلح للأعمار كافة، بل إن جيلنا الجديد بكل أعماره يحتاج أفكارها، أنت تروي فيها قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام كما وردت في القرآن، ولكن بأسلوب قصصي مشوق، لكنك مع ذلك حمَّلتها الكثير من الإسقاطات على الواقع والاستنتاجات والعبر التي تفيدنا في مشروع نهضتنا، هل لك أن تحدثنا عنها، وعن ردود فعل النقاد عنها؟؟
"أبي اسمه إبراهيم " كما أسلفت محاولة لعرض بعض الأفكار العميقة بأسلوب روائي.. ردود الأفعال دوماً متباينة، وقد تعودت ذلك تماماً، هناك من أحبها جداً لدرجة أنه اعتبرها أهم أعمالي! وهناك من اعتبرها هبوطاً في مستواي!. ربما لا أشعر أن تعبير (الناشئة) مناسب جداً لأبي اسمه إبراهيم، لكنه تصنيف لا بد منه.
هناك حقيقة أحب أن أذكّر بها هنا، وهي أن (الكتابة خارج التصنيف) – وهي الكتابة التي أنتجها عموماً، تلقى اهتماماً من القراء أكثر من النقاد، فالنقاد عموماً يحتاجون إلى قوالب .. لكي يمارسوا نقدهم ومقارناتهم ومقارباتهم. هذا من ناحية، من ناحية أخرى، ومع كل الاحترام فإن الناقد الحقيقي الوحيد المهم هو الزمن، وهو الذي سيثبت ما الذي يمكن أن يصمد من الأعمال وما الذي لن يلتفت إليه أحد بعد مرور ثلاثين عاماً. الأمر المؤسف أننا ، غالباً ، لن نكون موجودين عندما يقول هذا الناقد كلمته!..
أمر آخر أحب أن أشير إليه، وهو أن الكتاب الإسلاميين لا يتكاتفون فيما بينهم في الترويج لعمل ما.. على العكس من اليساريين والليبراليين الذين لديهم (مافيا) إعلامية فرضت أسماءً معينة على الذوق الأدبي دون كبير استحقاق أو تميز. أما الإسلاميون، فهم في شغل شاغل عن هذا: والاسم الذي لا يكون مكرّساً أصلاً، نادراً ما يلاقي الاهتمام الذي يستحقه..و هو أمر أرى أن مواقع الشبكة بدأت تكسره و تغيره..
رسالتي - هل من عمل جديد بهذا الإطار ، أقصد إطار يشبه أبي اسمه إبراهيم؟!..
نعم. هناك رواية جديدة، خارج التصنيف مجدداً، وربما أسلوبها الفني أكثر جرأة، فقد كان هناك محاذير عديدة في أبي اسمه إبراهيم، بما أننا نتحدث عن نبي ، ربما بسبب مفهوم شائع وغير مرتبط بنص ديني، إن عصمة النبي تلزمه بأن لا يمزح حتى في طفولته وقبل أن يكون نبياً، كان هذا الأمر أشبه بحقل ألغام في أبي اسمه إبراهيم، أما في الرواية الجديدة، فالأمر مختلف،كل ما أستطيع أن أقوله الآن إنها قصة معاصرة لسفينة نوح..
رسالتي - أجمل الكلمات التي وردت في كتاب ( البوصلة القرآنية ) ما كتبته في الإهداء :
(( إهداء .. إلى جيلٍ آخر .. قادمٍ لا محالة ))
ما هي الرسالة التي أردت إيصالها لهذا الجيل في هذا الكتاب ؟
باختصار شديد: لا نهضة إلا بالقرآن ! ، لكن الكتاب استغرق 600 صفحة في تكريس ذلك !
رسالتي - ورد في كتاب البوصلة القرآنية في ص 13 :
(( .. عندما نجد أن الخطوط العريضة التي غرسها الخطاب القرآني في فترة التكوين الأولى، والتي كانت بمثابة حجر الأساس واللبنة الأولى لكل ما تلاها من فرائض وشرائع، عندما نجد أن هذه الخطوط العريضة مفقودة بل معدومة في التفكير الديني التقليدي والشائع والمسيطر. فإن الأمر لا يعود عادياً ولا بديهياً ولا حتى منطقياً.
هذا الكتاب هو بحث عن هذه الخطوط القرآنية والثوابت المفقودة، وفي كيفية فقدانها، في الظروف والملابسات التي أدت إلى فقدانها، وأتت بخطوط أخرى مختلفة، بل ومضادة للخطوط القرآنية.
هذه الخطوط المضادة المحتمية بالمؤسسة الدينية التقليدية هي بمثابة أسلاك شائكة، من الصعب تجاوزها واختراقها. والتحدث في هذه الأمور هو أشبه بالتجول في حقل ألغام معرض للانفجار في أي وقت ... ))
كلماتك هذه في مقدمة الكتاب، كلمات مهمة وخطيرة، إنها تتحدث عن المؤسسة الدينية التقليدية، التي تعلم الناس أن الكلام عنها بأي انتقاد محرم شرعاً حتى لو كان الأمر صحيحاً، وكلماتك تشكل أمراً بدأ البعض بالحديث عنه ولكن بخجل وتوجس من ردة الفعل التي ستكون ضدهم، ما وجهة نظرك حول هذا الموضوع الشائك، أو كما أسميته أنت بـ ( الأسلاك الشائكة ) ؟؟
الأسلاك الشائكة وحقول الألغام لا بد من المرور بها أحياناً إذا كانت تحجزنا عن الوصول إلى ما يجب الوصول إليه – وليس لأحداث فرقعة عابرة.. هذا بشكل عام ، لكني أحب أن أوضح أن منطلقي في نقد الفكر الديني التقليدي لا علاقة له به إطلاقاً بالنقد الذي بدأ ينتشر الآن، والذي ينتقد الفكر الديني التقليدي من أجل تمرير المشروع التغريبي. منطلقي في النقد مختلف تماماً، إنه نابع من القرآن الكريم ومقاصد السنة، إنه نقد (داخلي) إن شئت..
نقدي للمؤسسة هو ليس نقد للمشايخ ، كما تستسهل الآن بعض وسائل الإعلام وتتصيد الأخطاء والهفوات، إنه نقد لفكر أرى أنه لا يرتبط بالإسلام وبنصوصه الثابتة، بقدر ما ارتبط بتجربة تاريخية أرى أننا في حل من الالتزام بنتائجها.
لذا فإني لا أقصد بالمؤسسة الدينية التقليدية، أكثر من رؤية تقليدية سائدة... ينبغي تصحيحها دوما بناءاً على معطيات القرآن و السنة..
في هذا الإطار، فإن البوصلة القرآنية، لم يُفهَم تماماً كما هو، أو كما قصدته من قبل البعض ، إلا بعد صدور (الفردوس المستعار)، الذي كان نقداً لأسس مشروع التغريب .. أي إن النقد لم يعد منصباً على الرؤية التقليدية فحسب، بل توازى مع نقد التغريب..
وللإنصاف، فإن بعض المشايخ، قد تقبل البوصلة القرآنية، رغم شدّة لهجته ، وهي لهجة ستكون مفهومة إن وضعناها في إطار أن البوصلة هو كتابي الأول، أي أني بدأته في عمر مبكر نسبياً..
رسالتي - هل نفهم من هذا أنك قد تجري تعديلات على البوصلة القرآنية؟..
نعم، على اللهجة خاصة، أما مجمل أفكار البوصلة القرآنية وبنيتها فلا تزال كما هي.. علماً أني لا أجد غضاضة من التراجع عن الخطأ حتى لو كان في بنية الكتاب..
رسالتي - من أواخر كتبك سلسلة ( كيمياء الصلاة ) الذي تتحدث فيه عن كل خفايا الصلاة وكل خطوة من خطواتها منذ انتشار الأذان في الآفاق حتى التسليم، إنك تتحدث عن كل أمر بشكل مختلف يجعل قارئه يحلق في سماء الصلاة، ويتشرب هذه الأفكار ويتمثلها.. كيف استطعت أن تكتب بهذه الطريقة التي أدت إلى نجاح هذه السلسلة ؟؟
كُتبَ عن الصلاة أشياء وعظيمة ورائعة. ومن منطلقات مختلفة، وكلها مفيدة في سياقها. لكني كنت أشعر أن مكتبة الصلاة (أو فقه العبادات و الشعائر ) ينقصها المنطلق النهضوي، كما أني كنت أشعر أن مكتبة النهضة (أو الفكر النهضوي) يحتاج إلى بعد شعائري عملي.. كنت أشعر أن فكر النهضة قد أغرق في التنظير بشكل جعله نخبوياً جداً وبعيداً عن (الناس) بشكل عام.. لذلك رأيت أن ربط إقامة الصلاة، بمنظومة النهضة، بمنظومة إقامة المجتمع، يمكن أن يكون تلك الحلقة المفقودة، التي يتسلل من خلالها فكر النهضة إلى الناس. هذا ما حاولته على الأقل، وأرجو من الله أن يكون قد وفقني إلى ذلك..
رسالتي - سمعنا أنك بصدد تسجيل (كيمياء الصلاة) ككتاب صوتي مسموع، ما الذي دفعك إلى هذا؟..
بصراحة، لا أزال منحازاً للكتاب الورقي التقليدي. لكني منحازٌ أكثر إلى أفكاري التي أسطرها في هذا الكتاب. لذلك أتقبل كل ما هو جديد من شأنه أن يروّج للفكرة أكثر. والكتاب الصوتي لا يزال نادراً في عالمنا العربي، بينما بدأ يشكل – جنباً إلى جنب مع الكتاب الإلكتروني – منافساً خطيراً للكتاب الورقي في العالم الغربي، الفكرة طرحها عليّ وبإصرار الصديق العزيز غياث هواري، الذي كان معي منذ ما قبل طبع البوصلة القرآنية، وقد بدأنا التسجيل فعلاً مع شركة الأستاذ إبراهيم هواري وبالتنسيق مع دار الفكر. النسخة الصوتية من (كيمياء الصلاة) لن تكون مماثلة تماماً للكتاب الورقي، بل ستقدم فكرة مركزة عن كل جزء من أجزاء السلسلة، أي إنها ستكون بمثابة نسخة صوتية داعمة للكتاب الورقي..
رسالتي - هل هذه خطوة نحو الإعلام المرئي؟ وهل هناك خطوة أخرى في هذا المجال؟..
في الحقيقة هناك برنامج أعمل عليه منذ سنتين، والآن و قد دخل تنفيذه في مراحله شبه الأخيرة ، صار يمكن الحديث عنه، وهو مختلف تماماً عن كل البرامج الدعوية المعتادة، وهو فكرة وإخراج وإنتاج المهندس طلال القدسي – البرنامج يسلط الضوء على آيات قرآنية في أجواء خارج التصنيف أيضاًً، النص كتبته أنا، وقدَّم الأستاذ طلال أدوات بصرية وسمعية شديدة الإتقان ، أغنت النص الأصلي وقدّمت عملاً فنياً بحق، مختلفاً تماماً عن كل المتوقع والسائد...
رسالتي - ما هو عنوان هذا البرنامج؟..
للأسف أعتذر عن ذكر اسم العمل، لأسباب تتعلق بالشركة المنتجة..
رسالتي - ما هي الخطوات التي سرت عليها حتى وصلت إلى هذا النجاح / ما شاء الله / هذا النجاح الذي جعلني أسمع المدح لكلماتك وكتبك من كل أتحدث معه حولها، هل لك أن تفيدنا ببعض النصائح ؟
بصورة عامة، هناك عنصران أساسيان لكل نجاح: طموح النسر، ودأب النملة.. التوفيق الإلهي يتوج الجهد البشري الذي يجمع بين الأمرين و يوصله إلى مقاصده. و قد يكون من عوامل هذا التوفيق وجود عائلة مساندة تؤمن بالقضية و تضحي من أجلها...
أخص بالذكر هنا زوجتي، التي كانت بمثابة بوصلة شخصية لي في كل خطواتي ، و التي لم أنتج شيئاً مهماً على الإطلاق قبل اقتراني بها.
لكني أعتقد أيضا أن الإقرار بالنجاح هو بحد ذاته عاملٌ مثبط ؛ لذا فلا بد أن يكون الإقرار بالنجاح محصوراً بباب الحمد و الثناء على الله عز وجل ، واعتبار هذا النجاح نجاحاً مرحلياً ونسبياً لا أكثر ولا أقل. لا أعتقد أن هناك ناجحاً حقيقياً يعتقد أنه قد حاز النجاح الذي يريده..
رسالتي - كلمة أخيرة سيدي الكريم للداعية بشكل خاص، وللإنسان بشكل عام..
لا، ليس من كلمة أخيرة، لا للإنسان و لا للداعية، بل كلمة أولى، هي (اقرأ) !..
رسالتي - أشكر لك هذا اللقاء المفيد، وأرجو أن يستفيد منه كل من يقرأ كلماته ..
أشكر لكِ هذه الفرصة و بارك الله فيك و في موقعكم ...
التعليقات:
15 |
|
|
مرات
القراءة:
6514 |
|
|
تاريخ
النشر: 11/11/2008 |
|
|
|
|
|
|