حوار خاص لموقع رسالتي مع العالم الموسوعي الدكتور وهبة الزحيلي (1 )
بقلم : ريما الحكيم + سهير أومري
الشيخ وهبة الزحيلي
إنه علم من أعلامنا الكبار وعالم من علمائنا الأجلاء لا تستطيع عند ذكره أو رؤيته إلا أن تقف احتراماً، وتغض طرفك إكباراً وإجلالاً له ولعلمه الذي ملأ الآفاق من خلال ما يزيد على أربعين مؤلفاً حوت مئات بل آلاف الصفحات منها ما ترجم إلى لغات عديدة فكان له التأثير الأكبر والنفع الأعظم لهذه الأمة.....
عالم جليل بعلمه، كبير بقدره، كريم النفس، متواضع القلب، عرف قدره القاصي قبل الداني، إنه العلامة الجليل سماحة الشيخ الدكتور "وهبة الزحيلي" الذي كرمته دولة ماليزيا حكومة وشعباً على أنه أفضل شخصية إسلامية للعام الهجري المنصرم 1429 هـ.......
توجهنا إلى منزله مهنئين مباركين فاستضافنا استضافة الأب، وكان لنا معه ساعة رشفنا من رحيق فكره وعبق تجاربه، وودنا لو يعمّ خيرها، فكان هذا الحوار الذي ننشر منه اليوم القسم الأول الذي دار حول تكريمه الذي تم في ماليزيا ..
صورة لشهادة التكريم
رسالتي ـ في البداية نبارك لكم سيدي هذا التكريم الذي أنتم أهل له بإذن الله تعالى.. ونشكر لكم أن رضيتم منحنا هذا الوقت لإجراء هذا الحوار معكم... هلا تعطينا فكرة لو سمحت عن هذا التكريم؟
ـ بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد r ، أما بعد.. ففي كل عام تكرم ماليزيا شخصية من الشخصيات الفاعلة والمؤثرة إيجابياً في ثقافة وفكر أبنائها، وهذا العام أرسلت لي وزارة الشؤون الإسلامية الماليزية رسالة وقالوا نريد تكريمك لتكون شخصية العام الهجري 1429هـ فهل أنت موافق؟، فكتبت لهم مع الموافقة، ثم كانت ترتيبات السفر ولما وصلت ماليزيا استقبلوني استقبالاً حافلاً في المطار ورافق استقبالهم تصوير من التلفاز الماليزي الرسمي بدءاً من نزولي من الطائرة، إلى أن وصلت إلى الفندق، أما التكريم فقد كان في حفل بهي بهيج فقد أقيم في قاعة كبرى للمؤتمرات وحضر هذا التكريم الملك ورئيس الوزراء "عبد الله بدوي" وزوجتاهما وكبار الناس في السلك الدبلوماسي، وقلدني ملك ماليزيا وساماً وأعطاني هذه الشهادة، وكانوا في غاية اللطف، الملك ورئيس الوزراء، ثم في اليوم التالي دعاني رئيس الوزراء إلى منزله فجلست معه حوالي الساعتين نتذاكر في القضايا العامة كقضية غزة وفلسطين والقضايا الإسلامية، ثم دعاني إلى الغداء وكان هو وزوجته في غاية التواضع، ومما لفت نظري أنه عندما دخلت زوجته قام لها واقفاً واستقبلها بكل جدية، وبعد انتهاء الزيارة ودّعته وشكرته وقلت له: (( لقد تعلمت منك أخلاقاً كثيرة منها وقوفك لاستقبال زوجتك )) وقلت له: (( سأنقل هذا لزوجتي أنني تعلمت منك هذا الاحترام ))..
رسالتي ـ والآن سننقله لكل من سيقرأ هذا الحوار..
ـ أجل وأنا ذكرت لكم هذا ليعرف الناس قدر المرأة في الإسلام وقدر رجالات الإسلام في تعامل المسلم مع زوجته، علماً أن زوجته من أصل مسيحي لكنها أسلمت وحسُن إسلامها، فهذا دليل على أن الإسلام النقي يحبه كل البشر، أما الإسلام المشوه المعطلة أحكامه فلا أحد يقيم له وزناً.
رسالتي ـ ماذا يعني لكم هذا التكريم؟
ـ هذا تكريم من الله لعباده المخلصين إن شاء الله، وتكريم للعلم في حد ذاته، ولهذه الرابطة العميقة بين المسلمين، وهذا التكريم لم يزدني شيئاً، إلا أنني سعيد أنني وجدت أخوة في أقاصي الأرض تربطنا بهم رابطة الإسلام والقرآن والأخلاق النبوية، فهذا الذي جعل لهذا التكريم معنى كبيراً أنني لمست تطبيق الإسلام في أقاصي الأرض مما يزيدنا اعتزازاً بديننا وقيمنا وبما نحمله من رسالة العلم والمعرفة والدعوة الإسلامية التي ينبغي تبليغها لكل لناس في كل زمان ومكان، حتى يعرفوا عِظم هذه الرسالة، فهذا معنى التكريم بالنسبة لي، إنما هو تكريم لشرف انتمائي لهذا الدين وأخلاقه وقيمه وآدابه ورسالته وشرف الاعتزاز بهذه الرابطة بين الإخوة المسلمين في كل آن وفي كل حين.
رسالتي ـ هل أنت عاتب على وسائل الإعلام المحلية كونها قصرت في تغطية هذا الخبر؟
ـ أنا لا أريد أي شيء يتعلق بشخصي، وزاهدٌ في كل ما يتعلق بي، قد يتراكض الناس لنشر خبر كهذا في الصحف المحلية، أما أنا فلا أحرص على هذه الأمور..
رسالتي ـ ولكننا آلمنا أننا لم نسمع ولم نر التغطية اللائقة لحدث له مثل هذه الأهمية..
ـ بارك الله فيكم والشكر لفضيلة الشيخ محمد خير الطرشان على مبادرته الكريمة، أما أنا فزاهد في هذه الأمور، لأنها تدخل الغرور على النفس، وقد أصبحت في سن أبتغي فيه مرضاة الله جل جلاله فقط..
وقد كُرِّمتُ كثيراً في مدن أخرى كإيران وكان التكريم فيها لأفضل كتاب في العالم الإسلامي وهو كتاب "التفسير المنير" فقد كرموني للعلم، كما حضرت أكثر من 17 حفل تكريم منها ما كان في الإمارات والسعودية، وإنني لا أحب الظهور ولا التصنع، وأترك الأمر لله، وقد حضرت أكثر من 180 مؤتمراً دولياً في حياتي، ما من مؤتمر طلبت أن أشارك فيه إلا وتأتيني الدعوة إلى منزلي أو مكان عملي، فأنا لا أتطلع لهذه المظاهر لذلك لم أحرص على نشر الخبر في الصحف، لكنني عدت من هذا الحفل إلى القاهرة لحضور المؤتمر الرابع لرابطة خريجي الأزهر ففوجئت بالأساتذة هناك يهنئونني على هذا التكريم فقد علموا به من قنوات التلفاز لديهم.
رسالتي ـ كيف وجدتم سيدي المجتمع الإسلامي في ماليزيا كونها دولة إسلامية غير عربية؟
إن الإسلام الحقيقي الفعال الذي له الفضل في تكوين الأمة الإسلامية وشعوبها وأفرادها إذا كان في حالة من اليقظة والتطبيق والتفاعل مع عقيدته وقيمه وأصوله يكون له تأثير كبير في بناء الشعوب والأفراد والحفاظ على هويتها وأخلاقها وقيمها، فشعب ماليزيا يتميز بهذا الخلق الفريد، والعقيدة الراسخة، والأخلاق العالية، ومحبة العلماء محبة منقطعة النظير، والحرص على الثقافة الإسلامية، وبناء الأمة على أسس من هدي الله جل جلاله وإعمال القرآن الكريم والسنة النبوية المشرِّفة، وهذا دليل واضح على أن الإسلام في غير العرب ما يزال فعالاً وقوي التأثير، وله امتداد في تكوين الأمة والمجتمع، ولذلك نجد هؤلاء يمثلون معنى الأخوة الإسلامية ومحبة المسلمين ومحبة العلماء، ويكرمونهم تكريماً بالغاً ويقدمون لهم كل أنواع العطاء والاحترام والتقدير، وكل هذا نابع من معين رسالة الإسلام الحنيفية، والتي هي الرسالة الفعالة والخالدة الباقية إلى يوم القيامة، فنحمد الله جل جلاله أن أبقى الإسلام لنا ديناً والقرآن كتاباً ودستوراً والسنة النبوية منهاجاً، ووجهنا لاحترام أئمة المذاهب وخصوصاً أن مذهبهم هناك هو المذهب الشافعي فهم يلتزمونه، وهم حريصون على أصوله وأحكامه، وبناء على هذا التكوين تجد جامعاتهم الإسلامية فيها دراسة الإسلام في كليات متخصصة دراسة معمقة منهجية قائمة على فهم الإسلام فهماً قويماً يعتز به المسلمون، ويكونون حريصين كل الحرص على بقاء الإسلام ذا مرونة وحياة طيبة ومُساهمة في كل أعمال المسلمين في تلك البقاع.
رسالتي ـ حققت ماليزيا سبقاً في الناحية الحضارية في فترة وجيزة، ماذا تقدم ماليزيا من دروس للعالم العربي والإسلامي؟
ـ ينبغي أن نحتذي حذو هذه الدولة في نهضتها، ونتعلم من الخطوات البارة التي قادها رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، فهذا رجل عملاق في الاقتصاد والنهضة حرص على تحقيق رسالته الحضارية والصناعية والاقتصادية وبنى عاصمة جديدة وهي "بتروجايا" نقل إليها الوزارات وفيها جامع ضخم وبحيرات صناعية ونهضة عمرانية، لقد نهض بالاقتصاد نهضة جبارة رغم معاداة الكثيرين له، حتى قيل في عام 1998 إن ماليزيا ستكون في عام 2000 في سلم الدول المتقدمة، لذلك أرسل الصهاينة شخصاً تلاعب بالبورصة وبالأسهم مما أدى إلى ارتفاع الأسهم وعندما رأى الناس السطحيون ذلك تراكضوا إليها فوضعوا كل ثرواتهم فيها، فأخذ ذاك المجرم المبالغ كلها وهرب بها، فتهدم الاقتصاد الماليزي على نحو عطل وصولها إلى القمة.
فعندهم التخطيط السليم لكن الصهاينة أجهضوا هذا النشاط وانهارت العملة الماليزية انهياراً كبيراً، ولكن الله سلّم أغنياء المسلمين الذين لم يقتربوا من هذه البورصة فحفظوا ثرواتهم، فيجب أن ندرك من هذه التجربة ونتعلم دروساً، وهي أن علينا اجتناب الحرام لأن البورصة أكثر أعمالها لا تنطبق عليها أحكام الشريعة، ولذلك الشارع الحكيم يريد أن يحافظ على ثرواتنا ولا يورطنا في الحرام لأن الحرام مصيره إلى الخراب.
يتبع
التعليقات:
4 |
|
|
مرات
القراءة:
3992 |
|
|
تاريخ
النشر: 28/01/2009 |
|
|
|
|
|
|