يهودي من ضحايا النازية يدعو إلى مقاطعة إسرائيل
بقلم : النائب الألماني جمال قارصلي
رسالة من الدكتور هايو ماير إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل
السيدة المستشارة أنجيلا ميركل المحترمة:
أكتب إليك هذه الرسالة كزميلة لي في المهنة لأنني أنا كذلك مثلك درست الفيزياء النظرية الحديثة وأنهيتها بشهادة الدكتوراه وعملت مديراً للبحوث في مختبرات شركة فيليبس الهولندية لمدة عشرة سنوات وذلك إلى عام 1984 ولكن الفرق بيننا كبير جداً لأن حياتي تختلف كثيراً عن حياتك. فأنا يهودي ومن القلائل الذين نجوا من محرقة أوشفيتس النازية التي كنت معتقلاً فيها لمدة عشرة أشهر.
وبدون مبالغة أود أن أعلمك, سيدتي المستشارة, بأنني عشت الاضطهاد والحقد العنصري بكل مرارتهما وأنا أعرف ما معنى أن يكون الإنسان منبوذاً ومذلولاً ومحروماً من التعليم ومن أبسط متطلبات العيش الكريم. هل تعلمين بأنني عندما كنت في سن الرابعة عشرة من عمري اضطررت إلى الهجرة إلى هولندا لأنني لم أستطع أن أكمل تعليمي الثانوي في ألمانيا كطالب يهودي. وهنالك في هولندا عشت خمسة سنوات تحت الاحتلال النازي. تجربتي هذه تجعلني أشعر بما يشعر به الشعب الفلسطيني اليوم من معاناة واضطهاد وتنكيل ومجازر على أيدي الصهاينة. وهنا تفترق طرقنا عن بعضها البعض وتختلف مواقفنا كلياً اتجاه الشعب الفلسطيني. هل تعلمين سيدة ميركل أن علاقة الصهيونية باليهودية تشبه علاقة النازية بألمانيا, حتى ولو ادعى الصهاينة بأنهم يهود, فالديانة اليهودية بريئة منهم.
وباعتبارك مستشارة وممثلة للشعب الألماني لك الحق بأن تشعري بالذنب إزاء ما قامت به النازية من إجرام ضد اليهود, ولكنني أختلف معك كل الاختلاف حول المواقف التي تتخذينها بسبب هذا الذنب وطريقة تعاملك معه وتفسيرك له. أقول لك هذا انطلاقاً من تجربتي الشخصية لأنك تسلكين طريق الخطأ في التعامل مع هذا الإرث التاريخي والذي بسببه تشعرين بالذنب. هنالك مثل هولندي رائع يقول: الصديق الحقيقي هو الذي ينبهك على أخطاءك. وقياساً على ذلك أنت لست صديقة لإسرائيل، لأنك لا تنتقدين قادة هذا البلد مهما قاموا به من إجرام وإبادة ضد الشعب الفلسطيني جسدية كانت أو نفسية.
السيدة أنجيلا ميركل المحترمة ...
أرجوك كل الرجاء, ومن أعماق قلبي, بأن تفكري في دلالة كلماتي هذه التي أكتبها إليك وخاصة في هذه الأيام العصيبة التي نعيشها الآن حيث تقوم آلة الحرب الإسرائيلية, وبكل وحشية, بقتل الشعب الفلسطيني أطفالاً ونساءً ورجالاً, وذلك بدون رحمة أو هوادة.. وأود أن أذكرك بمسؤوليتك في هذه الظروف الصعبة باعتبارك شخصية أوربية مرموقة. وانطلاقاً من هذه المسؤولية, عليك أن تضغطي على النظام الحاكم في إسرائيل وذلك عن طريق إلغاء اتفاقية الشراكة الأوربية معها ولو بشكل مؤقت كما نصحت به الرباعية الدولية بتاريخ 25/9/2008 والذي يشكل الإتحاد الأوربي أحد أطرافها.
تقبلي مني فائق الاحترام والتقدير
الدكتور هايو ماير 06.01.2009
هل تعلم عزيزي القارئ بأن الدكتور هايو ماير والبالغ من العمر خمسة وثمانون عاماً لا زال ينتظر إلى هذا اليوم جواباً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على رسالته هذه؟
والمستشارة ميركل لم ولن تجيب على هذه الرسالة والسبب في ذلك بسيط جداً؛ لأن الدكتور هايو ماير مناهض للصهيونية ويعتبرها حركة عنصرية ويرى فيها خطراً كبيراً على مستقبل اليهود في العالم.
ولو كان الدكتور هايو ماير هو أحد أعضاء المجلس اليهودي المركزي في ألمانيا لأجابته المستشارة الموقرة بسرعة فائقة ولتم نشر رسالته هذه في أكبر الجرائد الألمانية، ولتمت ترجمتها إلى عدة لغات أجنبية أخرى ثم توزيعها على كل وكالات الأنباء العالمية. وربما تهافتت إليه أكبر المحطات التلفزيونية العالمية لمقابلته ونشر أفكاره وتجربته في المحرقة النازية من أجل تبرير البطش الصهيوني على الشعب الفلسطيني ولإخفات الأصوات الحرة المناهضة للصهيونية في العالم ولتبرير قيام الكيان الصهيوني على أنقاض وآلام ودماء الشعب الفلسطيني.
وهل تعلم عزيزي القارئ بأن الدكتور هايو ماير كان قد كتب مقالاً في عام 2002 يستنكر فيه استغلال اللوبي الصهيوني في ألمانيا تهمة العداء للسامية ـ مطرقة اللاسامية ـ لكل من ينتقد إسرائيل وسياستها الوحشية وذلك من أجل إخفات الأصوات الحرة في العالم. ولكن وللأسف لم تتجرأ آنذاك أية وسيلة إعلام ألمانية كانت أم نمساوية أم سويسرية على نشر هذا المقال.
إن تجربة الدكتور هايو ماير هي مثال حي يؤكد لنا أن هنالك كثيراً من اليهود في العالم المناهضين للصهيونية. وهؤلاء تتهمهم الصهيونية بأنهم "اليهود اللاساميون" وأن الصراع مع الصهيونية هو ليس صراعا دينياً أو عقائدياً وإنما هو صراع فكري. أما الاستنتاج الثاني فهو بأن اللوبي الصهيوني يسيطر على أغلب وسائل الإعلام في العالم ولا ينجو من غدره حتى اليهود أنفسهم. ولهذا فإن لم تكن صهيونياً فلا صوت لك حتى لو كنت يهودياً، ولك تاريخ في المعاناة من اضطهاد وعنصرية وفاشية النازية.
فالحقبة النازية في التاريخ الألماني مازالت تُستغل من قبل اللوبي الصهيوني لتهجير أكبر عدد ممكن من يهود العالم إلى فلسطين العربية. كما أن الإجرام النازي مازال يشكل بقرة حلوباً للمنظمات الصهيونية وخاصة في ألمانيا وهو كذلك ورقة رابحة تستخدمها هذه المنظمات في كل أنواع الابتزاز وعلى جميع المستويات وفي كل المجالات. ولذلك أطلق عليها الكاتب اليهودي الأمريكي نورمان فنكلشتاين اسم "صناعة المحرقة" لأنها حقاً أصبحت أربح صناعة في التاريخ.
جمال قارصلي, نائب ألماني سابق
jamal@karsli.de
www.karsli.net
07.02.2009
التعليقات:
1 |
|
|
مرات
القراءة:
3628 |
|
|
تاريخ
النشر: 15/02/2009 |
|
|
|
|
|
|