هل في الحياة حياة أخرى غير التي نحياها؟
بقلم : سهير علي أومري
سؤال استوقفني وأيقظني في لحظات كنت أغوص فيها بكل جوارحي في عوالم من الذكريات، لحظات أبحرت فيها إلى موانئ الماضي فارتسمت أمامي وجوه عديدة وعيون كثيرة ونظرات لا حصر لها... كما ترددت في أذني أصوات وصيحات وضحكات وآهات وأنات...
إنها ذكريات الماضي بكل أطيافه وألوانه... أناس مروا فكانوا عابري سبيل... وأناس توقف قطار حياتي عندهم فغير اتجاهه أحياناً، وتزود بالوقود أحياناً أخرى، ثم عاد ليتابع سيره، ولكن بحلة جديدة وهدف جديد.... هنا لمع السؤال في ذهني: ماذا لولم ألتق بأولئك الناس، ولم يتوقف قطار حياتي عند تلك المحطات؟؟ هل كانت حياتي غير التي أحياها الآن... وهل في الحياة حياة أخرى غير التي نحياها؟؟
ماذا لو تابع قطار حياتي سيره دون أن يتوقف عند محطة دون أن يستفيد من تجربة أو يأخذ عبرة؟!... ماذا لو تابع سيره دون هدف؟ ماذا لو لم يتحمل ظلمة الليل وعواصف الشتاء؟ هل كان سيسير في نفس الطريق؟!!
إذا كان لبني البشر في رحلة الحياة محطة انطلاق واحدة ومحطة وصول واحدة، فهل الطريق بينهما واحد أم هناك طرق مختلفة؟؟
وإذا كنت أسير الآن في طريق هل هناك طريق آخر أجمل منه بإمكاني أن أسير فيه؟؟ ماذا لو سأل كل منا نفسه هذا السؤال؟
من المؤكد أن حياتي التي أحياها اليوم كان من الممكن أن تكون أسوأ لو أني لم أبذل من وقتي وصحتي وطاقة قلبي، ولو أني لم أرنُ إلى الأفق الذي أنا فيه اليوم وأعمل من أجله وأمضي متسلحة بثقتي بالله وحبي له وحسن ظني به...
ولكن ما الحياة الأفضل التي تغيب عني؟ أهي أحلامي بأن يزداد دخلي وتكثر رفاهيتي فآكل ما لذ وطاب، وأرتدي أفخر الثياب وأجرب ضروب المتع والتسليات؟ أهذه الحياة الأفضل التي تصل إليها مداركي؟ أهذه الأمور بمتناول يدي؟ من المؤكد لا... إذن هي مجرد أحلام...
أكل حياة أفضل للإنسان تتعلق بمجموعة أحلام أغمض عينيه وهو يقظان ورأى نفسه يرفل في ضروب نعيمها ومباهجها؟؟ لماذا كانت حياتي الآن مرهونة بما عملت وما سعيت وما اكتسبت وما خططت فكانت أفضل مما لو أني لم أفعل كل هذا، ثم تكون الحياة الأجمل التي أبحث عنها مرهونة بأحلام اليقظة؟؟
ماذا أستنتج إذاً؟؟...
إذاً حياتي الأجمل ليست رهينة أحلام تأتي بها الأيام على حين غفلة فأفاجأ بنعيمها وجمالها، ليست مرهونة بظهور مارد الإبريق ليجلب لي كل متع الدنيا وزينتها ويحملني على بساط الريح إلى عوالم الوهم والأحلام...
إذاً في حياة كل منا حياة أخرى يمكن أن يعيشها وتكون الأجمل، وهي ليست مجرد أحلام... إنها موجودة في واقع كل منا وضمن ظروفه نفسها وبيئته ذاتها ليست بعيدة عنا... إنها ليست محطة نصل إليها ونقضي حياتنا نسعى من أجلها حتى إذا وصلنا إليها أنزلنا متاعنا عندها وقلنا ها قد وصلنا إنها الحياة الأجمل والأفضل... ذلك لأن نفس الإنسان مجبولة على السأم والملل وكل جمال يعتاده الإنسان يفقد بهجته بعد مدة وربما كان هذا أحد أسباب الحزن والكآبة التي نراها في مجتمعات الغرب مع أن أهلها يملكون كل مباهج الحياة وجمالها.
إذن الحياة الأفضل ليست محطة وصول... إنها طريق ممتد وهذا الطريق هو طريق الحياة ذاتها إلا أنه طريق أخضر مزروع بالورود والرياحين يتربع فيه الجمال في كل مكان أما مقوماته وأساساته فإنني أفتح باباً لكل راغب بحياة أفضل متطلع لأيام أجمل ليكتب ما يجود به عقله وما تفيض به نفسه من مقومات لهذه الحياة التي هي بلا شك في حياتنا نفسها وكلنا قادرون على تحقيقها.....
التعليقات:
3 |
|
|
مرات
القراءة:
3270 |
|
|
تاريخ
النشر: 17/03/2009 |
|
|
|
|
|
|