::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

مشروعية الكسب الحلال

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان "المشرف العام"  

 

بسم الله الرحمن الرحيم

  

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وافتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين، واجعل ما نقوله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

حديثنا حول مسألة مهمة تتعلق بكل إنسان خلقه الله سبحانه وتعالى، ويريد أن يكتسب مالاً حلالاً طيباً مباركاً. حديثنا حول الكسب الحلال والسعي في طلب الزرق الحلال.

الله سبحانه وتعالى جعل لنا النهار معاشاً؛ حتى نبتغي فيه من رزق الله، ونسير في هذه الأرض لنبحث عن الرزق الحلال الذي شرعه الله سبحانه وتعالى لنا. لذلك خاطبَنا ربنا سبحانه وتعالى بقوله:[]فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ...[] سورة الجمعة (10). فالكسب وطلب الرزق يكون من فضل الله سبحانه وتعالى.

^ الكسب الحلال هو سنّة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

إن الكسب الذي يمارسه كل إنسان، ويسعى فيه على عياله ليعفَّ نفسه عن الحرام، وليعف أولاده ومن يرعاهم، ومن هم في مسؤوليته الشرعية، هذا الكسب إنما هو سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

فسيدنا "داوود" عليه الصلاة والسلام كان يصنع اللبوس[1] ويمارسها بيده. وقد قال الله سبحانه وتعالى عنه:[]وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ...[] سورة الأنبياء (80).

وسيدنا "آدم" عليه الصلاة والسلام هو أول من زرع الأرض، وأول من حرثها، وأول من حصدها، وللمزارعين الذين يعملون في الزراعة والفلاحة قدوة صالحة بسيدنا آدم أبي البشر عليه الصلاة والسلام.

وسيدنا "نوح" عليه الصلاة والسلام هو أول من عمل في النجارة، حيث أمره الله سبحانه وتعالى بصناعة الفلك (السفينة) التي تسير في البحر، فكان أول من مارس النجارة في التاريخ ومن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وسيدنا "إدريس" عليه الصلاة والسلام فهو أول من خط بالقلم، فكان يتمتع بخط جميل واضح بيِّن، وأهل الحكمة يقولون: "حسن الخط إحدى الفصاحتين". فإما أن يمتلك الإنسان فصاحة في لسانه، وإما أن يمتلك فصاحة في قلمه، يعبّر بهذا القلم عن مكنونات قلبه وصدره.

وأما نبينا "محمد" صلى الله عليه وسلم فقد رعى الغنم وحدّث عن نفسه فقال: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم. قالوا: وأنت؟ قال: نعم. كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة". صحيح البخاري. فرعاية الغنم التي كان يقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم هي مقدمة إلى قيادة الأمم، فالغنم من مخلوقات الله سبحانه وتعالى التي تتميز بالحلم والأناة والصبر، ومن يرعاها ويتولى شؤونها يتعود على الأخلاق الكريمة الفاضلة، فإذا بك تراه واسع الصدر، حليماً، رؤوفاً، عطوفاً كما كان حال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمعروف في التاريخ أن النبي عليه الصلاة والسلام تعرض لأذى شديد من قومه من أهل مكة، ومن أعمامه من أقرب الناس إليه، فما كان منه إلا أن صبر وتحمل، وكان ذا صدر واسع استوعب جميع من كان حوله، حتى أن بعض أهل العلم يقولون: "إن معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم لم تدوَّن في الكتب، ولم تكتب في الصحف، هي احتماله للخلق عليه الصلاة و السلام". فكم عانى صلى الله عليه وسلم من قومه وأتباعه وأقاربه، ومن القبائل ممن حوله! ومع ذلك فلم يصدر منه عليه الصلاة والسلام مواقف انتقامية، ولا مواقف تدل على الثأر لنفسه، بل كان صبوراً حليماً رؤوفاً عطوفاً... صلى الله عليه وسلم.

^ الحض على الكسب الحلال في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:

أ- في القرآن الكريم:

جاء الحثّ في القرآن الكريم على الكسب الطيب وعلى طلب الرزق الحلال. من ذلك قول الله سبحانه وتعالى:[]يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً...[] سورة البقرة (168). كذلك قال الله سبحانه وتعالى:[]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[] سورة البقرة (172). وفي جواب توجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم:[]يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ...[] سورة المائدة (4). حتى في الإنفاق فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن ننفق من المال الطيب الحلال:[]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ...[] سورة البقرة (267).

فالكسب منه الحلال الطيب ومنه الخبيث الحرام. لكن الآيات القرآنية كلها تحث على أن يكون الكسب من المال الطيب الحلال، ومن المال المباح الذي لا إشكال فيه، ولا شبهة للحرام فيه.

إذا تصفحنا الآيات الكريمة في القرآن الكريم نجد أن كلمة "الطيبات" وردت في ستة عشر موضعاً، فالرزق الطيب، والكسب الطيب، والإنفاق الطيب، كل ذلك توجيه من الله سبحانه وتعالى لنا لأن يكون كسبنا من المال الحلال الطيب الذي لا شائبة فيه للحرام أو لشبهة الحرام.

ب- في السنة النبوية الشريفة:

جاء نبينا عليه الصلاة والسلام ليحض أصحابه وأتباعه، وليحضنا من بعدهم على أن يكون كسبنا من المال الحلال الطيب الخالص. فممّا جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده". سنن ابن ماجة. وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الإنسان ربما يأتيه كسب لا يكون له جهد فيه، لا عضلي ولا فكري، لكنه عليه الصلاة والسلام يريد هنا أن يدلنا على أن الكسب الذي يجنيه الإنسان من عمل يده ومن تعبه وجهده وعرقه هو أفضل الكسب على الإطلاق.

جاء في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "أيها الناس! إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:[]يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ[]. وقال:[]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ...[]". صحيح مسلم. نلاحظ في هذا الحديث أن الأمر الإلهي للرسل عليهم الصلاة والسلام كان بأكل الطيبات، وأن الأمر الإلهي للمؤمنين بأكل الطيبات أيضاً، وهذا مفاد كلامه عليه الصلاة والسلام أن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فليس هناك طعام للرسل يختلف عن طعام أتباعهم، هذا الطعام حلال وذاك حلال، هذا طعام طيب وذاك طيب، هذا المال حلال خالص وذاك المال ينبغي أن يكون من الحلال الطيب الخالص.

من غدا في الصباح إلى عمله بقصد أن يأكل مالاً حلالاً، وأن يكسب رزقاً طيباً مباركاً، فإن له أجراً عظيماً عند الله سبحانه وتعالى، وقد أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وهو يذكر حال العامل الذي يعمل طوال النهار ثم يعود في آخر الليل، فعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أمسى كالّاً من عمل يده أمسى مغفوراً له". في الكبير في الأوسط. مجمع الزوائد - باب اتخاذ المال /ج2 ص66. يكافئه الله سبحانه وتعالى بالمغفرة لذنوبه، ومن منا بغير ذنوب؟! ومن منا بغير معاصٍ؟! المعصوم عن الخطأ هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كل منا يزل به اللسان، تزل به القدم، وتزل به اليد، وما أحوجنا إلى مغفرة لذنوبنا، ومسح لسيئاتنا، وارتقاء في سلم الدرجات عند الله سبحانه وتعالى.

من جملة الأحاديث التي دعا فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكسب الطيب الحلال حديث عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه". صحيح ابن حبان. وكأنه يشير بذلك إلى أنواع من الكسب ليس فيها تعب أو جهد، هذا الذي يسمى بالإثراء السريع، الإثراء الذي يتحول إليه بعض الناس من خلال اكتسابهم المال الحرام والعياذ بالله، ومن خلال الاحتكار، ومن خلال الربح الفاحش، ومن خلال الغش في البيع... هؤلاء يصلون إلى مرحلة الإثراء السريع، وهذا أمر ربما خالطه شيء من الحرام، لذلك حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم.

وجاء في حديث آخر قوله عليه الصلاة والسلام: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داوود عليه السلام كان يأكل من عمل يده". صحيح البخاري. وقد أشرنا قبل قليل إلى أن سيدنا داوود عليه الصلاة والسلام كان يعمل في صناعة الدروع.

كذلك حينما يحث النبي صلى الله عليه وسلم على أن يأكل الإنسان من كسب يده فإنه يسعى إلى تكفير ذنوبه. يقول عليه الصلاة والسلام "إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة". مجمع الزوائد - باب شدة البلاءج1 ص406. فإذا كان حال الإنسان أنه يعيش حالة من الهم والتعب في طلب الرزق والكسب الحلال فإن ذلك سبب ظاهر من الأسباب التي تكفر الذنوب إن شاء الله تعالى.

^ المرأة الصالحة تعين زوجها على الكسب الحلال:

كانت المرأة من نساء السلف الصالح رضي الله عنهم إذا خرج زوجها من البيت تمسك به فتقول له: "يا أبا فلان! اتَّقِ الله فينا ولا تطعمنا إلا الحلال، فإنّا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار". لاحظوا كيف كان سلوك المرأة الصالحة في السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم، كانت تعين زوجها على طلب الرزق الحلال، وترضى بالحياة الكفاف، ترضى بالعيش القليل مقابل ألا يدخل في تربية أبنائها ولا في طعامهم ولا شرابهم ولا لباسهم أي جزء من المال الحرام والعياذ بالله تعالى. هذا نموذج ينبغي أن نقتدي به في سلوكنا وحياتنا وتربيتنا اليومية لأولادنا ولبناتنا ولأزواجنا وللناس أجمعين.

^ يا سعد! أَطِب مطعمك تكن مستجاب الدعوة:

إن الله سبحانه وتعالى لن ينظر إلى رجل يدعو، أو إلى امرأة تدعو وقد نبت جسمه أو لحمه من المال السحت أو المال الحرام، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم "الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذِّي بالحرام فأنى يستجاب له". صحيح مسلم. هذا الحديث يستدعي من كل إنسان يعمل أن يتقي الله سبحانه وتعالى في نفسه وعياله، فلا يُطْعِمُهم إلا من الحلال، ولا يأكل إلا من الحلال، ولا يجني إلا من الحلال، ولا يضع مالاً في جيبه إلا من المال الحلال الخالص.

يقول العلماء: إن هناك شرطاً رئيسياً لاستجابة الدعاء يتعلق بأكل المال الحلال، والدليل على ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا سعد رضي الله تعالى عنه: "يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة". مجمع الزوائد. إذاً من شروط استجابة الدعاء أن يكون الطعام الذي نأكل، والشراب الذي نشرب، والثياب التي نلبس، والنفس الذي نتنفس، أن يكون أُسِّس على المال الحلال. لذلك فالإسلام يعظم مكانة الرجل العامل، الرجل الذي يسعى من أول النهار يكسب ماله بعرق جبينه، لا يأكل ولا يغتصب مال أحد، لا يرتشي، لا يغش، ولا يحتكر.

^ الحض على الكسب الحلال من شأن الشرائع السماوية السابقة:

أيها الإخوة القراء! الحث على طلب الكسب الحلال ليس من توجيهات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحده، بل هو توجيه نبوي قديم؛ فقد ورد عن سيدنا "عيسى" عليه الصلاة والسلام أنه رأى رجلاً متعبداً يتعبد في زاوية المعبد منقطعاً إلى العبادة فقال له: "ماذا تصنع؟ قال: أتعبد. قال: ومن يعولك؟ قال: أخي. قال: أخوك أعبد منك". وفي ذلك يشير إلى معنى مهم، وهو أن الإنسان الذي يعمل ويتعبد في آن واحد فإنه يُرضي الله سبحانه وتعالى مرتين، أما ذلك الإنسان الذي انقطع إلى العبادة، وجلس ينتظر السماء كي تُنزِل عليه ذهباً أو فضة فإنه يحقق بذلك معنى من معاني التواكل لا التوكل الصحيح على الله سبحانه وتعالى.

إن التوجيه إلى الكسب الحلال هو من شأن الشرائع السابقة؛ فممّا ورد عن سيدنا "لقمان الحكيم" في جملة وصاياه لولده قوله: "يا بني! استغنِ بالكسب الحلال عن الفقر، فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب لمروءته، وأعظم هذه الثلاث استخفاف الناس به". حيث يستخف الناس به لأنه لا مال له، ومن لم يكن عنده مال فإنه يعيش في حالة من ضعف الثقة في دينه.

^ الكسب الحلال يغني صاحبه بالله تعالى عن الناس:

ورد من جملة ما ورد في الأثر: "كاد الفقر أن يكون كفراً". مسند الشهاب.  لذلك نجد الإنسانَ الذي لا مال عنده ضعيفاً في تفكيره، وضعيفاً في عقله، وضعيفاً في شخصيته، أما الذي قد ملأ جيبه من المال الحلال فإنه يستغني بالله سبحانه وتعالى، ثم بما أكرمه من الرزق الحلال الطيب.

ورد في الأثر: "إن الله تعالى يحب أن يرى عبده تعباً في طلب الحلال". كشف الخفاء.

وكذلك في أثر آخر: "من طلب الدنيا حلالاً تعففاً عن المسألة، وسعياً على عياله، وتعطفاً على جاره لقي الله يوم القيامة ووجهُه كالقمر ليلةَ البدر". شعب الإيمان.

هذه الآثار أيها الإخوة تدعو الإنسان المؤمن بالله سبحانه وتعالى أن ينظر في مستقبله، وأن ينظر في سعادته الدينية والدنيوية، فيسعى في الرزق الحلال والكسب الحلال، ويستغني بالله سبحانه وتعالى؛ حتى لا يكون له حاجة لأحد من الناس.

مما ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم: "لا تجعل حوائجنا إلا إليك". ومن جملة ما يردد أهل العلم في أدعيتهم "اللهم لا تجعل حوائجنا إلى شرار خلقك". وكأن الحاجة إلى الناس فيها نوع من المذلة، ونوع من ضعف المروءة، بل ربما كان من ضعف الثقة بالله سبحانه وتعالى.

مما ورد من سير السلف الصالح رضي الله عنهم حادثة لطيفة وقعت مع سيدنا "إبراهيم بن أدهم" رحمه الله تعالى، حيث كان في سفينة في البحر مع أصحابه، فجاءت ريح عاصف في البحر، فهاج البحر وماج، فقالوا له: يا إمام! أما ترى هذه الشدة؟! فقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: "والله ما هذه بشدة! إنما الشدة الحاجة إلى الناس". لم ينظر إلى الموج الهائج المائج على أنه شدة قد تعرض لها هو وأصحابه وأحبابه، إنما صرف نظرهم إلى مسألة مهمة وهي أن الشدة الحقيقية أن تكون محتاجاً إلى الناس، والحقيقة عليك أن تضع حوائجك كلها في باب الله سبحانه وتعالى، فالخلق مثلك ضعاف ولا يقدر على أداء حقوقهم وواجباتهم إلا الله سبحانه وتعالى.

^ الكسب الحلال والتوكل على الله عز وجل:

يروى عن سيدنا "عمر بن الخطاب" رضي الله تعالى عنه أنه دخل ذات مرة إلى المسجد، فوجد قوماً جالسين في زاوية من زواياه، فقال: "من أنتم؟". قالوا: "نحن المتوكلون". فقال: "بل أنتم المتواكلون! لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، اللهم ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة". هذا الكلام يدعو الإنسان إلى أن يعمل بالسبب، وأن يكون ممن يسعى في كسب رزقه بتعب يده وعرق جبينه، ولا يجوز أن يتّكئ الإنسان في زاوية من زوايا بيته ويقول: إن الله تعالى يرزقني. اذهب إلى العمل، واعمل وارتزق واسْعَ في طلب الرزق الحلال، ثم بعد ذلك قل: أنا متوكل على الله سبحانه وتعالى. كما قال الله سبحانه وتعالى للسيدة مريم عليها السلام:[]وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا[] سورة مريم (25). هذا الهزّ هو عمل بالسبب حتى تسقط الرطب وتأكل منه طعاماً طيباً ولذيذاً.

مما ورد من سير السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم أنه قيل للإمام "أحمد بن حنبل" رضي الله عنه: "ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده وقال: لا أعمل شيئاً حتى يأتيني رزقي؟". فقال الإمام أحمد: "هذا رجل جَهِل العلم. أما سمع قوله عليه الصلاة والسلام حين ذكر الطير فقال: تغدو خماصاً وتروح بطاناً؟!". أي إن الإنسان الذي يقعد في بيته ينتظر أن يأتيه الرزق من سقف البيت لم يفهم حقيقة معنى التوكل على الله سبحانه وتعالى، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما ذكر التوكل الحقيقي قال: "لو أنكم  توكلتم على الله حق توكّله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطانا". سنن الترمذي. فهي في الصباح تغدو كما نغدو نحن إلى أعمالنا لنكتسب رزقاً حلالاً طيباً مباركاً، فتأكل الطير وتشبع وتملأ بطنها، ثم تدّخر طعاماً لفراخها وأولادها، وتعود في آخر النهار وقد امتلأ بطنها من الطعام الطيب. وأنت أيها الإنسان كذلك حينما تغدو من الصباح لكي تعمل وتكسب رزقاً حلالاً طيباً وتتقن عملك، فإنك تتوكل على الله سبحانه وتعالى توكلاً حقيقياً وصادقاً.

^ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدوة حسنة في الكسب الحلال:

أيها الإخوة القراء! يقول الله تعالى:[]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...[] سورة الأحزاب (21). ومن الأسوة الحسنة أننا نقتدي بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعمل في التجارة، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم عملوا في التجارة في البَر والبحر، وفي النخيل، ومن أبرزهم سيدنا "أبو بكر الصديق"، وسيدنا "عثمان بن عفان"، وسيدنا "عبد الرحمن بن عوف" رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

^ دعاء:

نسأل الله تعالى أن يرزقنا رزقاً حلالاًً طيباً مباركاً، وأن يجعل عيشنا عيشاً كفافاً كما ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا". صحيح ابن حبان. والكفاف أن تعيش لا لك ولا عليك.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، واجعل ما تعلمناه حجة لنا ولا تجعله حجة علينا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

 



[1] اللبوس: الدروع.

 

 

 

 

 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 11125

 تاريخ النشر: 20/06/2010

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 801

: - عدد زوار اليوم

7450995

: - عدد الزوار الكلي
[ 40 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan