::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

كمال الإنسان تحت كلامه

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان (المشرف العام)  

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللّهم افتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين، واجعل ما نقوله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

        أيها الإخوة القراء! كمال الإنسان تحت كلامه، وهذا هو القول الحق الذي لا افتراق فيه أبداً، فالإنسان لا يُوزَن باسمه ولا برسمه، ولكن يوزن بمنطقه وحكمته، فبقدر ما يكون دقيقاً في كلامه ومنطقه فإنه يعبّر بذلك عن درجة كماله، والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بأن الإنسان ما يلفظ من قول في خير أو شر إلا لديه رقيب على كلامه يدوّن له ذلك في سجلّ أعماله.

^ نموذج على فصاحة اللسان وحكمته:

        سيدنا "عطاء بن أبي رباح" تابعيّ جليل من فقهاء التابعين، كان أسودَ، أعرجَ، أشلَّ اليدين والرجلين وأفطس المِنخَرَين، ليس له من شيء يستدعي أن يُنظَر إليه بالأبّهة والعظمة إلا لسانه الذي امتلأ صدقاً وفصاحة، فكان إذا تكلم أسكتَ الفصحاءَ، وأخرسَ البُلغاءَ. دخل ذات يوم على الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وكان عبد الملك جالساً على سريره وحوله الأشراف من كل القبائل، كان هذا في مكة أيّامَ موسم الحج، فقد حجّ عبد الملك بن مروان في خلافته. لما رأى عبدُ الملك سيدَنا عطاء قام إليه تعظيماً لقدره واحتراماً لمكانته، وأجلَسَه إلى جانبه على السرير، وجلس بين يديه، وقال هذا الخليفة ذو المكانة العالية للتابعي الفقيه، الأسود، الأعرج، الأشلّ: "يا أبا محمد! ما حاجتك؟". فلم يطلب سيدنا عطاء شيئاً لذاته بل قال له: "سا أمير المؤمنين! اتّقِ الله في حرم الله وحرم رسوله، فَتَعَهَّدْه بالعِمارة، واتّقِ الله في أولاد المهاجرين والأنصار؛ فإنك بهم جلستَ هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور؛ فإنهم حصن المسلمين، وتفقّدْ أمورَ المسلمين؛ فإنك وحدَك المسؤولُ عنهم، واتق الله فيمن على بابك، ولا تغفل عنهم، ولا تغلق بابك دونهم". عندما انتهى عطاء من كلامه قال عبد الملك بن مروان: "أفعلُ إن شاء الله". فقام عطاء بن رباح يريد أن يمشي، فقبض عبد الملك على يديه وقال له: "يا أبا محمد! إنما سألتَنَا حاجة غيرك، وقد قضيناها إن شاء الله، فما حاجتك أنت حتى نقضيها؟". فقال عطاء بن رباح رضي الله عنه: "ما لي إلى مخلوقٍ حاجة". ثم خرج من مجلس عبد الملك بن مروان، فردّد عبد الملك كلمة عظيمة قائلاً: "هذا - وأبيك هو - الشرف". فهذا الرجل الضعيف، البسيط من حيث الشكل، دخل على ملك من الملوك وعظيم من العظماء فلم يطلب لنفسه شيئاً، إنما سأل حاجة للناس، فكان لسانه ترجماناً عما في قلبه، وكان لسانَ صدق وفصاحة وبيان، لم يخرج فيه عما أمره الله سبحانه وتعالى به. "لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن زنته زانك، وإن خنته خانك". فعلى الإنسان أن يعلم أن هذا اللسان رغم أنه جِرم صغير، لكنه يمكن أن يكون منه جُرم كبير، لذلك قال الحكماء: "اللسان صغيرٌ جِرمه، عظيمٌ جُرمه". ومعنى "جِرمه" بكسر الجيم: حجمه ومساحته، ومعنى "جُرمه" بضمّ الجيم: خطره.

^ اللسان .. مصدر السعادة ومصدر الشقاء:

        باللسان يصون الإنسان ماله ونفسه وعِرضه في الدنيا، ويَسعَد به في الآخرة، فإن نطق الإنسان به بشهادة التوحيد، واستعمله فيما يرضي الله سبحانه وتعالى من ذكر، وقراءة للقرآن، وتسبيح، وتهليل، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واستغفار، وتوبة، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ونشر العلم، ودعوة إلى الخير والفضيلة، وتنفير من الرذيلة، وقول الحق والصدق، فإنه يسعد به في الآخرة.

        كذلك باللسان يَهلِك الإنسان في دنياه، فيهدر ماله ونفسه وعِرضه، ويشقى به أيضاً في الآخرة ، فإن استخدمه في الكذب، والغيبة، والبهتان، والنميمة، والافتراء، والشتم، والقذف، والسبّ، واللعن، والإيذاء، والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وإن استخدمه فيما يؤذي الناس ويغضب الله سبحانه وتعالى فإنه يأثم ويشقى في الدنيا وفي الآخرة.

        أيضاً باللسان يمكن أن نفعّل الخصومة بين الناس والجدال والمراء، باللسان نقع في اليمين الغموس، ونحلف بغير الله، ونحلف كاذبين، ونشهد زوراً، ونتكلم كلاماً بذيئاً، باللسان نفعل من الأعمال السيئة الكثيرة ما لا يحصيها إلا الله سبحانه وتعالى.

        هذا العضو الصغير يدعو إلى العجب، ويحتاج إلى ضوابط كثيرة، يمكن أن نستخدمه في مجال الخير، ويمكن أن نستخدمه في مجال الشر.

الكلام والمنطق من جملة الأشياء التي هي من خصوصيات اللسان، وهذا الشيء هو الذي نُحاسَب عليه، ولا ينبغي أن يفوتنا أبداً أن الأمر فيه نوع من التساهل أو النسيان؛ لأن الإحصاء عند الله سبحانه وتعالى دقيق، يومَ القيامة يقول قائلنا:[]يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا...[] سورة الكهف (49). يقول تعالى:[]مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[] سورة ق (18). ويقول أيضاً جل شأنه:[] فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)[] سورة الزلزلة. فالكلام يرفع الإنسان أو يضعه، لهذا أوضح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمة أمر اللسان وخطورته، وأنه مكمّل لسائر أعمال البر من صلاة، أو صيام، أو زكاة، أو حج، أو قيام في الليل أو جهاد في سبيل الله تعالى، وقد ينقص فضل وأجر هذه الأعمال وقد تُحبَط وتُمحى كلها باللسان، ففي الحديث المشهور يقول سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقلت: يا نبي الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال: "لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت". ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل". ثم قرأ قوله تعالى []تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ...[] حتى بلغ []...يَعْمَلُونَ[]. ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟". فقلت: بلى يا رسول الله! قال: "رأس الأمر وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد". ثم قال: "ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله؟". فقلت له: بلى يا نبي الله! فأخذ بلسانه فقال: "كُفَّ عليك هذا". فقلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكبّ الناس على وجوههم في النار أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟". مسند أحمد.

        من الواجب علينا أن نحفظ اللسان لننجوَ به في الدنيا والآخرة. من هنا حينما نقرأ قوله سبحانه وتعالى:[]وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً[] سورة الإسراء (36). ندرك من هذه الآية يقيناً وحقيقةً أن الإنسان لا ينبغي أن يتكلم بكل ما يسمع، أو أن يحرّكه بكل ما يرى ويشاهد، بل عليه أن يضبط لسانه ويحفظه في الوقوع فيما يُغضِب الله سبحانه وتعالى.

^ اللسان سلاح ذو حدين:

        يُروى عن لقمان الحكيم أن سيده أمره أن يذبح شاةً ويأتيه بأطيب عضو فيها، فذهب لقمان، وذبح الشاة، وأتى سيده بلسانها، وقال له: يا سيدي! هذا أطيب عضوٍ في الشاة. وبعد مدة يسيرة أمره أن يذبح شاة أخرى، وقال له: ائتني بأخبث عضو فيها. فذبحا وجاء باللسان أيضاً، وقال له: يا سيدي! هذا أخبث عضو في الشاة. فقال له: عجبت لأمرك! قلت لك ائتني بأطيب شيء في الشاة فأتيتني باللسان، وقلت لك ائتني بأخبث شيء في الشاة فأتيتني باللسان، ما قصتك؟! فقال له: "اللسان سلاح ذو حدين؛ يُستعمل في الخير، ويستعمل في الشر". هذه الحكمة التي نطق بها لقمان الحكيم هي واقع كما نلاحظ في كثير من جوانب حياتنا.

^ أعضاء الإنسان كلها بخير ما دام اللسان بخير:

أيها الإخوة القراء! أعضاء الإنسان كلها تخشى بأس اللسان وسطوته، ومنها الرأس الذي يستقر اللسان ضمنه، فقد ورد فيما ورد من الأخبار أن اللسان صبّحَ يوماً على الرأس وقال له: كيف أصبحت؟ فأجابه: أنا بخير إن سلمت منك. قال ولمَ؟ قال: لأنك تقول قولك وتختبئ، ويأتي الضرب عليّ.

جاء في الحديث عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفّر اللسان فتقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا". سنن الترمذي. وكأن اللسان هو الذي يقود الإنسان ويحركه نحو الخير أو الشر.

^ الكذب إحدى آفات اللسان الخطيرة:

        من أعظم ما ينبغي أن نحفظ ألسنتنا عنه الكذب، هذه الفاحشة الخطيرة والجريمة الكبيرة التي يرتكبها الإنسان بيسر وسهولة. ليس هناك أعظم من الكذب في حياة الإنسان المسلم، لهذا نجد الأحاديث التي نهتنا عن الكذب وأمرتنا بالصدق كثيرة ومنتشرة في كتب السنة والصحاح، من أبرزها حديث رواه الإمام مسلم عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتبَ عند الله صدّيقا، وإياكم الكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتبَ عند الله كذّابا". صحيح مسلم.

أ- ما هو الكذب؟

الكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه، فلو أنك قلت لولدك: تعالَ أُعطِك هذا الشيء، ثم لم تعطِه إياه سُجِّلتْ عليك كذبة.

ب- صفات الكذاب:

ورد عن الكذاب أنه جبان، له وجهان، لا يجرؤ على الصدق، لذلك صُنِّف في عِداد المنافقين؛ لأن المنافق يُظهِر خلاف ما يُبطِن. ولا تزول صفة النفاق عن الكذاب أبداً إلا إذا صدق في كلامه وعُرفَ بالصدق. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خَلَّةٌ منهنّ كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها؛ إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر". صحيح مسلم. هذه الصفات لا تليق بالمسلم أبداً، وتخرج عن نطاق الأدب الإسلامي العظيم الذي ينبغي أن يتحلى به كل عباد الله المؤمنين. فالكذب ذنب كبير، من تخلّق به كان مُجانِباً للإيمان، بعيداً عن أخلاق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التي عُرِفوا بها وانتشرت عنهم.

جـ- المؤمن لا يكذب:

سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً يا رسول الله؟ قال: "نعم". قالوا: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: "نعم". قالوا: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: "لا". موطَّأ الإمام مالك.

ورد في الحديث الشريف: "إذا كذب العبد تباعد عنه المَلَك مِيلاً من نَتَنِ ما جاء به". سنن الترمذي. نحن لا نرى الملائكة، فهي أرواح لطيفة، والإنسان أجسام كثيفة، ولو كنا نرى الملك لرأينا كيف يبتعد عن الإنسان حينما يكذب.

ء- أنواع من الكذب:

1- الكذبة البيضاء والكذبة السوداء:

من أخطر ما يأتي على الألسنة ما يسمى بين الناس بكذبة نيسان، فترى إنساناً يُطلق كلاماً فيه مفاجأة أو شيء خطير، أو ربما يكون أمراً جيداً، ثم تُفاجأ بعد قليل بقوله: هذه كذبة نيسان.

بعض الناس يهوّنون الكذب ويجعلونه قسمين؛ قسماً يسمونه الكذبة البيضاء، والقسم الآخر الكذبة السوداء، فيبيحون الكذب في أول شهر نيسان على أنه كذبة بيضاء يتقبّلها الناس قَبولاً حسناً. هذا الكلام من أخطر الكلام الذي انتشر فيما بين الناس، وعلينا أن نواجهه بأدب الإسلام، وأن نذكّر من يفعل ذلك أنه قد ارتكب إثماً كبيراً.

جاء في الحديث عن بهز بن حكيم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويل للذي يحدّث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له". سنن الترمذي.

2- كذب الآباء والأمهات على أولادهم:

بعض الآباء يكذب على ولده بقصد أن يتحبّب إليه، لكنه لا ينجز ما يعدهم به، كذلك الأم تفعل هذا مع أولادها من باب الترغيب وربما من باب الترهيب. الكذب كله مذموم سواء كان كذب الأب على ولده أو كذب الولد على أبيه، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يكذب الآباء والأمهات على أولادهم وأن يعِدوهم وعوداً كاذبة. فالطفل أكثر ما يتعلم من والديه الأخلاق السلوكية والتعاملية، فإذا وجد أبويه يكذبان فإنه ينشأ محبّاً للكذب، بعيداً عن الصدق بعداً كبيراً؛ لأنه تربى على هذا الخلق، ووجده في بيت أبيه وأمه ظاهرةً كثيرةَ الحدوث.

حينما سمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تعد ولدها وعداً بيّن لها أنها لو لم تعطِه ما وعدته لسُجِّلتْ عليها كذبة، ولأثمتْ بها أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.     يقول الصحابي الجليل عبد الله بن عامر: دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ في بيتنا. فقالت: تعال أعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أردتِ أن تعطيه؟". قالت: أعطيه تمراً. فقال لها عليه الصلاة والسلام: "أما أنكِ لو لم تعطِه شيئاً كُتِبَتْ عليكِ كذبة". سنن أبي داود.

يقول الشاعر:

ويَنشـأُ ناشـئُ الفِتيانِ منَّـا     على ما كـان عـَوَّدَهُ أبـوهُ

فإن عوّده الصدق نشأ صادقاً، وإن عوّده الكذب فإنه يصبح حرفة له في حياته، ومهنة يقتات منها ويكسب منها رزقه.

3- كذب النساء في مجالسهن:

كثير من النساء إذا جلسن إلى بعضهن تساهلن في الأحاديث وكذبن فيها، وادّعينَ ما ليس لهن، فتأتي كل واحدة بفكرة أو موقف ربما يكون بعيداً عن واقعها، فتدّعيه لنفسها، كل ذلك كذبٌ في كذب، فعلى النساء أن يتنبّهن إلى هذا الأمر حينما يجتمعن في مجالسهن، فإذا خرجت النساء في المجالس التي يجتمعن فيها عن ذكر الله تعالى، وعن النصيحة والكلام الصادق الحسن، فإنهن يأثمن إثماً كبيراً، ويُحاسَبْنَ أمام الله سبحانه وتعالى على كل كلمة يَقُلْنَها وليس فيها صدق أو دعوة إلى الخير.

بعض النساء تكذب على صديقاتها، فتدّعي أمامهن أن زوجها يسافر إلى مختلف البلاد في الأرض، ويشتري لها الكثير من الأشياء الثمينة من ذهب، ولؤلؤ، وألماس وغير ذلك من الأشياء التي تتمنى أن تملكها وتحب أن تفتخر بها، فإذا دخلْتَ إلى واقعها لا تجد شيئاً من هذا الكلام أبداً. هذا كله حرام بحرام، فلا يحل للمرأة أن تلوّث لسانها بهذا الكذب وأن تكون في سجل الكاذبات، فتلقى وجه ربها وقد كذبت بكلام كثير.

جاء في الحديث عن السيدتين أسماء وعائشة رضي الله تعالى عنهما أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن لي ضرة، فهل علي جُناح أن أتشبّع من مال زوجي بما لم يعطِني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المتشبّع بما لم يُعطَ كَلابسِ ثَوبَيْ زور". صحيح مسلم. كأنه لم يلبس شيئاً أصلاً، فلا يزال عارياً بعيداً عن الستر والحشمة، فالناس يرون عليه الثوب يظنونه له وهو ليس له في الواقع، لكنه متشبّع بما ليس له.

^ حفظ اللسان عن الأَيمان:

الأيمان ظاهرة يقع فيها كثير من الناس سواء قصد أو لم يقصد، فترى أحدهم دائماً يحلف بالله العظيم، أو ربما يحلف بالطلاق فيطلق الإنسان زوجته لسبب تافه، كأن يكون مع أصدقائه يلعب ورق الشدة، فإذا بأحدهم يطلق زوجته التي تمكث في البيت تربي أولاده، وتعلمهم الأدب، وتدرّسهم، وتجعلهم في أتمّ النظافة وأحسن الهيئة، فيطلقها ثلاثاً لخلاف صغير مع صديقه، هذا كله من زلات اللسان.

وأخطر شيء في زلات اللسان الحلف بالله سبحانه وتعالى كذباً، كأن يحلف الإنسان على شيء يظن صدقَه فيه فيظهر خلاف ما يقول، كأن يقول لك ابنك: أعطني مبلغ كذا، فتجيبه: والله ما معي، وأنت معتقد وصادق أنه لا يوجد لديك المبلغ المطلوب، ثم تمد يدك إلى جيبك فتجد هذا المبلغ وأضعافه. هذا اليمين لا يؤاخذ به الإنسان؛ لأن الكذب فيه غير مقصود. يقول الله تعالى:[]لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ...[] سورة المائدة (89). فهذا اليمين يسمى يمين لغو. أما إن قلت له: والله ما معي وأنت تعلم علم اليقين أن في جيبك مالاً، فإنك تكون قد وقعت بالإثم الظاهر؛ لأن اليمين هنا تسمى اليمين المنعقدة التي يكذب فيها الإنسان على الله سبحانه وتعالى. فلْنحذرْ من الأيمان التي نكذب فيها زوراً وبهتاناً، والأيمان التي نحلف فيها على قضايا بين الناس، وربما لا أصل لها.

روي أن جُبير بن مطعم رحمه الله تعالى ورضي عنه افتدى يمينه بعشرة آلاف ثم قال: "وربِّ الكعبة، لو حلفت حلفت صادقاً، وإنما هو شيء افتديت به يميني". هو من أهل الصدق، ولو حلف حلف على الصدق، لكنه افتدى يمينه مقابل ألا يقسم بالله سبحانه وتعالى.

ويروى أن الأشعث بن قيس رضي الله تعالى عنه قال: "اشتريت يميني مرة بسبعين ألفاً". المسألة لا تتعلق بإشكالية اليمين بقدر إقحامنا اسمَ الله الأعظم في قضية سخيفة لا قيمة لها؛ كأن نُدعى للحلف على مبلغ زهيد من المال، ففي هذه الحالة ينبغي أن نتكلف هذا المبلغ وندفعه ولا نقحم اسم الله سبحانه وتعالى في هذه الأمور التي لا تليق.

فلْنحذرْ أيها الإخوة من أن تَزِلَّ ألسنتنا بأيمان كاذبة، أو بيمين طلاق، أو يمين زور أو شهادة زور مما نأثم به ويحاسبنا عليه الله سبحانه وتعالى، ومما يكون سبباً في إلقائنا على وجوهنا في النار والعياذ بالله تعالى.

^ دعاء:

اللهم! طهّر ألسنتنا من كل سوء، واحفظها من الخوض بالباطل. اللهم! اجعل ألسنتنا ذاكرةً لك، آمرةً بالمعروف، ناهيةً عن المنكر، مُسبّحةً، مُهلّلةً، مُعظّمةً، مُصلّيةً على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. اللهم! اجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 التعليقات: 3

 مرات القراءة: 4333

 تاريخ النشر: 18/09/2010

2010-12-19

عبير الزين

الكلام رائع...وهو ضروري في كل وقت للتذكير..خاصة في مجتمعنا الحالي..اسمحلي فسوف أستعين ببعض الجمل...

 
2010-10-04

amer

مشاء لله بارك لله فيك

 
2010-09-19

غسان

آمين .... بعد العيد أطل علينا سيدي الشيخ : أبو منار حفظه الله بكلمات من وعاها عاش في عيد دائم .... كلمات ذهبية وقصص معبرة وخصوصاً قصة عطاء بن رباح و لقمان الحكيم.... اللهم إنا نعوذ بك من شر اللسان... سلّم الله لك هذه الأنامل... و جعل ما أفدتنا به في صحيفتك الدعويّة يوم القيامة مقبولاً إن شاء الله.

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 887

: - عدد زوار اليوم

7401999

: - عدد الزوار الكلي
[ 50 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan