::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> ضيف وحوار

 

 

ندوة حوارية حول منتدى (الإسلام والغرب) (1)

بقلم : المدقق العلمي  

قام مجمع الفتح الإسلامي بتنظيم منتدى حواري بالتعاون مع جامعة (ألبرتا) في (إدمُنتون - كندا) بعنوان: "الإسلام والغرب: تعارف وحوار من أجل سلام عالمي عادل، ومستقبل إنساني آمن"، بمشاركة نخبة من العلماء، ورجال الدين، وأساتذة الحضارة والفكر والثقافة والحوار. وذلك في الفترة: (9-10-11) جمادى الأولى/1430هـ الموافق (3-4-5) أيار/2009م.

وفي ظل هذا المنتدى كان لبرنامج "نور على نور" حلقة حوارية خاصة، أجرى الحوار فضيلة الشيخ "أحمد سامر القباني" مع كل من فضيلة الشيخ "محمد خير الطرشان" (شريكه في البرنامج)، وفضيلة الشيخ "خضر شحرور".

تابعوا معنا الشطر الأول من الحوار، آملين لجميع الإخوة القراء الفائدة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الأستاذ أحمد سامر: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. يا ربنا لك الحمد عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك، كلما ذكرك الذاكرون لك الحمد، وكلما غفل عن ذكرك الغافلون لك الحمد، لا علم لنا إلا ما علمتنا، فعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وفقهاً، و إخلاصاً، وعملاً بالدين، وافتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، وعُدْ علينا بعوائدك الحسنى يا كريم. اللهم لا سهلَ إلا ما جعلته سهلا، وأنت يا رحمن يا رحيم تجعل الحزن إذا شئت سهلا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد أيها الأخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

معنا فضيلة الدكتور "محمد خير الطرشان" حفظه الله: أستاذ حوار الحضارات، وأستاذ القضايا الفكرية المعاصرة في مجمع الفتح الإسلامي، وخطيب مسجد العثمان بدمشق. ومعنا فضيلة الدكتور "خضر شحرور" حفظه الله: أستاذ أصول الفقه في مجمع الفتح الإسلامي، والمشرف العام على مجمع عربين الكبير بمراكزه، وفي ثانوياته الشرعية للذكور والإناث. أهلاً وسهلاً بكم أستاذنا الأستاذ "محمد خير الطرشان". أهلاً بكم أستاذنا الأستاذ "خضر شحرور".

^الإسلام والغرب من الصراع والتصادم إلى الحوار والتفاهم:

الأستاذ أحمد سامر: الحقيقة إن هناك تساؤلات كثيرة حول مثل هذه الحوارت، هذا المنتدى يحمل عنواناً، هذا العنوان هو الإسلام والغرب: تعارف وحوار من أجل سلام عالمي، عادل ومستقبل إنساني آمن. نبتدئ مع الأستاذ "محمد خير الطرشان": هناك كثير من الناس يدّعون أن أمثال هذه المنتديات والملتقيات في حوار المسلمين مع الغرب لا قيمة لها، ينظرون هذه النظرة، ويرون أن الغرب ماض فيما يريده من أهدافه التي رسمها، وخطته التي انتهجها، ولن ينصاع أو يستمع إلى هذه النداءات التي تحصل في مثل هذه الأجواء. ما رأيكم بهذا الفكر الذي يعتقده كثير من الناس اليوم؟ وإن لم نقل إن أكثر الناس يعتقدونه، فقد أصبح اليوم ظاهرة في إنكار أمثال هذه المنتديات والملتقيات مع الغرب. تفضلوا أستاذنا.

الأستاذ محمد خير: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في البداية لابد أن أقدم للإخوة كلمة طيبة عن هذا اللقاء الذي يضمني وفضيلة الشيخ "أحمد سامر القباني" مدير أوقاف دمشق، ونحن نلتقي في برنامجنا الصباحي "نور على نور". وجميل جداً أن يكون معنا أخونا وزميلنا فضيلة الشيخ "خضر شحرور" وفقه الله تعالى. ونحن نتناول موضوع المنتدى الثقافي الحواري الذي يقام هذه الأيام في دمشق (الإسلام والغرب).

قبل الإجابة على سؤالك، أحب أن أضع السادة القراء في أجواء هذا المنتدى، ومحاوره الرئيسية التي يعالجها، بحضور نخبة من أهل العلم، والفكر، والتخصصات المتعددة، ومن أبرز هذه المحاور فقرة وقضية هامة وهي: الإسلام والغرب من الصراع والتصادم، إلى الحوار والتفاهم، ولا شك أن هذه القضية تعد من أبرز القضايا التي تحتاج إلى توضيح؛ فالعالم الغربي بعد نظرية صدام الحضارات (أو صراع الحضارات)، وبعد نظرية نهاية التاريخ أصبح أحوج ما يكون أن يتعرف على الرؤية الإسلامية، والدعوة الإسلامية إلى الحوار والتفاهم، وإلى التعارف انطلاقاً من قوله تعالى:[]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[] سورة الحجرات (13). فواجب الأمة الإسلامية دعاةً، ومفكرين، ومصلحين، أن يرسلوا الدعوة الإسلامية بألقها، وتجلياتها، وأصولها القائمة على السماحة، والمحبّة، والمرحمة، ونشر العدالة إلى المجتمع الغربي. لكن كيف يتم توصيل هذا الفكر السليم، الصحيح، السَّوِيّ إن لم نُقم منتديات للحوار، وللتعارف، وللتلاقي بين المجتمع الغربي والمجتمع الشرقي؟ فنحن نعلم أن المجتمع الغربي كان ينظر في مرحلة من المراحل إلى الإسلام على أنه دين متوحش، دين عنف، ودين قتل وحب للدماء، وهذا كله مُغالَط تاريخياً، ولا بد أن نصحح هذه الرؤية، ولاشك أن الإعلام الغربي له دور ومساهمة كبيرة في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وتسويقه على أنه دين يحب أتباعُه العنفَ، وإراقةَ الدماء، وغير ذلك... إذاً.. من هذا المنطلق تأتي مثل هذه المنتديات؛ لتوضح الصورة الصحيحة النقية عن ديننا الإسلامي الحنيف في أوائل ما يستند إليه، إلى آية قرآنية يقول فيها الله سبحانه وتعالى:[]ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[]. سورة النحل (125).

الأستاذ أحمد سامر: جزاكم الله خيراً. إذاً.. الحوار هو جزء لا يتجزأ من ديننا الحنيف، وهو ركن أساسي منه. سمعنا من أشياخنا وعلمائنا بأن الله عز وجل عندما أراد أن يخلق سيدنا آدم عليه السلام حاور الملائكة، علماً بأن الله عز وجل لا يحتاج إلى الملائكة، لا إلى استشارتهم، ولا إلى إعلامهم، إنما أمره إذا أراد شيئاًَ أن يقول له كن فيكون. ولكنه عندما أراد أن يخلق سيدنا آدم حاور الملائكة، وكلكم أيها الإخوة والأخوات يحفظ قوله تعالى:[]وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)[] سورة البقرة. هذا الحوار القرآني. وسمعنا من أشياخنا وعلمائنا كذلك بأن سيدنا موسى حاور فرعون، وأن سيدنا إبراهيم حاور النمرود، إلى غير ذلك... إذاً.. الحوار شيء أساسي، لا بد أن يكون هو مهمة كل داعية إلى الله عز وجل، وكل إنسان اختط لنفسه طريق ومنهج العلم الشرعي، فهذه النداءات بأن مثل هذه الحوارات لا تفلح هي نداءات باطلة كما سمعنا من فضيلة الدكتور "محمد خير الطرشان".

^ المشترك بين الرسالات السماوية وضرورة تفعيله:

الأستاذ أحمد سامر: فضيلةَ الشيخ "خضر شحرور" حفظكم الله! لا شك أن هناك أشياء مشتركة في الرسالات السماوية؛ فبين كل الشرائع السماوية الموجودة يمكن أن يكون لكل إنسان معتقده، ولكن هناك أشياء كثيرة يمكن أن يتم الحوار حولها. لو تكرمتم علينا بإضاءة حول هذه الأشياء المشتركة التي يمكن أن تكون أساساً ننطلق منها في حوارنا مع الآخرين.

الأستاذ خضر: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: أنتم تعلمون أن الدين عند الله الإسلام، وعندما نقول إن الدين عند الله الإسلام؛ فهذا يعني أن الدين لا يتعدد، الشرائع هي التي تتعدد. وهذا يعني أيضاً أن الإسلام جاء من السلم. عندما نقول إن الدين عند الله الإسلام؛ الإسلام الذي هو الرحمة، الإسلام الذي هو الأخلاق، الإسلام الذي هو السلوك، فمَن منا في العالم كله لا يعترف أن الرحمة شيء ينبغي أن يكون موجوداً بين الجميع؟ من منا لا يقول إنه ينبغي أن يرحم بعضُنا بعضاً مهما اختلفنا في العقائد، ومهما بعدت أماكننا، ومهما كانت المسافات شاسعة؟ فالكل في هذا العالم يشترك في أمور كثيرة. نحن عندما نجتمع على المشترك فهناك أمور كثيرة. رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". رواه مالك في الموطأ. هذا توضيح وبيان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأخلاق كانت موجودة، ومكارم الأخلاق معروفة، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء ليتمم هذه المكارم، وهو القائل في الحديث أيضاً: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل جدار بني إلا موضع لبنة وأنا هذه اللبنة". إذاً.. هناك الكثير من الأفكار والأمور نستطيع أن نجتمع عليها؛ لأن في هذه القضايا خيراً للبشرية جمعاء، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع قلوبنا على ما فيه الخير والرضا دائماً.

^ ((السلام)) مدلوله، أهميته، مكانته، أسسه، شروطه:

الأستاذ أحمد سامر: شكرا جزيلا فضيلة الشيخ.

أستاذ "محمد خير الطرشان"! أحد محاور هذا المنتدى الحواري: السلام؛ مدلوله، أهميته، مكانته، وشروطه، نحن سمعنا من أشياخنا وأساتذتنا أن كلمة الإسلام هي مصدر من أسلمَ، ومعنى أسلم: دخل في السلم، فالإسلام إذاً هو دخول في السلم، يقول تعالى:[]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ[] سورة البقرة (208). هل فقه الغربيون حقيقةً رسالة السلام الموجودة في الإسلام؟ الآن عندنا تفريق، برأيي - والله تعالى أعلم - يجب أن نفرق بين القيادات الغربية، وبين الإدارات الغربية، وبين الشعوب الغربية. فمثل هذه المنتديات لا تكون للإدارات، ولا للقيادات، إنما تكون للشعوب، للمجتمعات الأهلية كما نسميها. هل تصل حقيقة هذه الرسالة (رسالة السلام) إلى الإدارات كما تصل إلى هذه الشعوب وإلى المجتمعات الأهلية؟

الأستاذ محمد خير: أعتقد أن واجبنا - نحن معشر الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى - أن نستثمر مثل هذه اللقاءات في إيصال الدعوة الإسلامية الصحيحة، ومنها مفهوم السلام، ومدلول كلمة السلام في القرآن الكريم. فالله - سبحانه وتعالى - من أسمائه السلام، السلام اسم من أسماء الله الحسنى، فالله - سبحانه وتعالى - يدعو إلى دار السلام في القرآن الكريم، أي إلى دار خالية من الحرب، والعنف، وكل ما فيه إزعاج للبشرية. والله - تبارك وتعالى - كرم الإنسان، وهيأ له حياة آمنة مطمئنة ليحيا فيها، لكن الإنسان هو نفسه من شوّش الفطرة الإنسانية التي خلق الله الناس عليها، واليد البشرية هي التي عاثت في الأرض فساداً، فنلاحظ مثلا الإدارات الغربية التي تتحدث عنها الآن أنها استثمرت صواريخها العابرة للقارات في التدمير، واستثمرت طاقتها وقوتها المادية في هلاك البشرية، والإحصاءات والأرقام الآن تدل أن هناك عشرات الملايين من الناس قد ماتوا نتيجة القصف والدمار، وخاصة بأسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً، والمحرمة شرعاً. فمهمتنا إذاً إيضاح هذا المدلول، وإيصاله إلى الغربيين، ونحن ليس بيننا وبين الغربيين - كشعوب - أية عداوة كما تفضلتَ قبل قليل، هؤلاء الشعوب يحتاجون إلى من يدلهم على الله، ومن يوصِل إليهم فكرةَ الإسلام الصحيح، النقي، البعيد عن التشويه، والبعيد عن التزوير الذي مارسته أدوات الإعلام الغربي، أو بعض وسائل الإعلام العربية المأجورة، التي استخدمها الغربيون، واستثمروها لصالحهم. فهذا السلام الذي هو مصطلح قرآني، السلام الذي دعا إليه الله سبحانه وتعالى، السلام الذي تعامل فيه سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع جيرانه غير المسلمين، سواء كانوا مشركين، أو يهوداً، أو نصارى، أو غير ذلك... فقد كان يعاملهم بأحسن الأخلاق وأكملها، وكان يلقي عليهم السلام، ومرة لما دخلت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، وجدت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوماً من اليهود، لم يرضَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ترد عليهم السلام فتقول: وعليكم السام (أي الموت)، فقال لها: "يا عائشة! عليك بالرفق، فإنه لم يكن في شيء إلا زانه، ولم يُنزع من شيء إلا شانه". سنن البيهقي الكبرى. هكذا كانت دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، كانت بالحكمة، بالأسلوب التي تحتاج إليه كل الأمم، وكل الشعوب، وأعتقد أن هذا من واجبنا نحن - مَعاشِرَ  الدعاة - أن ننقل رسالة الإسلام الصحيحة إلى الغرب كما أنزله الله سبحانه وتعالى، وكما ورثناه عن علمائنا، والمجتهدين من التابعين، وكبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.   

^ الوسطية والاعتدال والغلوّ والتطرف بين الشرق والغرب:

الأستاذ أحمد سامر: جزاكم الله خيراً.

فضيلةَ الشيخ خضر! أحياناً يتخذ الغربيون ذريعة، ويقولون إن التطرف الحاصل عند بعض المجموعات الإسلامية هو السبب في عدائهم للإسلام والمسلمين، وإن كانوا لا يصرّحون بهذا العداء جهراً أحياناً، وفي بعض الأحيان يصرحون، مثل الإساءات للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالرسوم الكاريكاتورية، أو الأفلام، أو ما شابه ذلك... وأحياناً لا يصرحون، لكن يتخذون ذريعة لهم، وهذه الذريعة هي التطرف الموجود من بعض الفئات، والجماعات الإسلامية. برأيكم هل هذه الذريعة حقيقة واقعية هي السبب وراء هذا العداء الموجود عند الإدارات الغربية؟ أو أن هناك مخططاً سواء أوُجدت هذه التطرفات أم لم توجد؟ وربما يكونون هم أوجدوها، فالمخطط موجود يريدون تحقيقه. ما رأيكم بهذه الفكرة؟

الأستاذ خضر: الأستاذ الدكتور أحمد القباني! حفظكم الله على هذه التوضيحات، وهذه الأسئلة المهمة التي تجعلنا نقول، ونكرر الكلام: إن المعادلة صعبة جداً بين الإسلام والغرب؛ لأن الإسلام كما ذكرنا هو دين السلام، دين السماحة، لا يوجد في الإسلام مَحاكم تفتيش، لا يوجد في الإسلام قتل أو تدمير، لكن المشكلة هي العدائية التي يعيشها كل من الطرفين، فالغرب مشكلته في قادته، وفي السياسيين اللذين سيّسوا هذه القضية، وقلبوها رأساً على عقب. نحن نفرق بين الشعوب الغربية، وبين الساسة والقادة الغربيين المتصهينين اللذين يقلبون الحقائق، نحن نعيش حالة من العدائية من قرون طويلة من الحروب الصليبية إلى الآن، وكل ذلك نراه، ويتكرر سنة بعد سنة، ويوماً بعد يوم مشاهد مروعة من القتل والتدمير، بلاد بأكملها تذهب كلها تحت مسميات كاذبة وباطلة! ماذا يفيدنا أن تعترف أمريكا الآن، وتقول إنه لا يوجد أسلحة دمار شامل بعد أن ذهبت العراق، وبعد أن ذهبت مكتبات العراق، وآثار العراق، وذهبت تلك الكنوز العظيمة التي لها تاريخ طويل؟!

الأستاذ أحمد سامر: وحرب غزة كذلك.. بذريعة الصواريخ.

الأستاذ خضر: نعم. وحرب غزة. نحن نقول: المواطن الغربي أو الشعوب الغربية هي مثقفة من الدرجة الثانية أو الثالثة، يعني ما يسوّقه الإعلام لها تأخذه على أنه حقيقة تتعامل معها، وهذه مشكلة؛ لأن هذا الإعلام متصهين يدور في فلك الصهيونية، ثم يسوّق لهؤلاء أن هؤلاء الفلسطينيين مثلاً قتلة، هؤلاء أناس متطرفين، هؤلاء كذا... فيعتقد هذا الغربي بهذا الكلام، خصوصاً أننا سمعنا من كثير منهم أنهم لم يسمعوا بالإسلام إلا بعد أن أنهوا دراستهم الثانوية. هذا يعني أنهم يأخذون ثقافتهم وأفكارهم من الإعلام، فالإعلام هو الذي يسوّق لهم. نحن نريد أن نبين لهذه الشعوب، نريد أن نوضح لها من خلال اللقاءات، هذه اللقاءات تكون عبر الجامعات، ورجال الفكر، وهذه النخبة والمجتمعات الأهلية، وأنا أقول دائماً: المشكلة هي في المرجعيات، الناس دائماً يرجعون إلى مرجعياتهم وعلمائهم، يرجعون إلى ما يكتبه العلماء وينشرون، يرجعون إلى الجامعات والتعليم، فعندما تلتقي هذه الجامعات مع رجال الفكر الإسلامي، وينظرون إلى الإسلام فيعرفون حقيقته، يكتشفون أن ما يسوّق لهم هو أكاذيب باطلة، ثم يعودون إلى بلادهم، فيوضحون للناس، وبذلك تذهب تلك الترهات التي تنقل عن الإسلام من التطرف وغيره، نحن في هذا الوفد جلسنا مع كثيرين من أولئك الذين جاؤونا من المجتمعات الغربية، كانت أمهاتهم تتصل بهم: هل ما زلتم على قيد الحياة؟! كان أحدهم يقول: "إن أمي أمسكت بي، ومنعتني من الذهاب إلى سورية، خافت علي أن أُقتل، خافت علي أن أُذبح، وإذ بي أجد أناساً طيبين محبين، أجد تعاملاً طيباً". هذا كله إذا نُقل فإنه يوضح الأفكار، ويبين لأولئك أن ساستهم وقادتهم قد لعبوا بهم، وهذا ما يجعل هذه الفكرة السامّة، فكرة التطرف التي نقلوها عن الإسلام، واستثمروها بالشكل الذي يريدونه.

^ مكانة الإنسان وكرامته بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية:

الأستاذ أحمد سامر: فضيلةَ الدكتور "محمد خير الطرشان"! أين كرامة الإنسان اليوم؟ في القرن الحادي والعشرين، القرن الذي وصل فيه الإنسان إلى القمر، وصلت فيه مركباته إلى المريخ، أصبحت المخترعات، والتقنيات، والتكنولوجيا الحديثة اليوم في متناول اليد، وسائل الاتصال الحديثة، اتساع المعلومة اليوم، لا يوجد عصر من العصور منذ أن وجدت البشرية حتى العصر الحاضر فيه كمٌّ من المعلومات كالعصر الذي نعيشه الآن، يمكنك أن تطلع على كل شيء في عصر السرعة الآن، وعصر المعلومات بأبسط الوسائل، فمع كل هذه التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة؛ هل إنسان القرن الحادي والعشرين برأيك يعيش في كرامةٍ اليوم؟ أو أن الغربي يعيش في كرامة، والعربي يعيش في غير كرامة؟

الأستاذ محمد خير: أعتقد أن الإنسان في هذا القرن أحوج ما يكون أن يرجع إلى النصوص القرآنية والنبوية التي وضّحت حقيقة تكريم الإنسان من قبل الله سبحانه وتعالى، فالله تعالى يقول:[]وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...[] سورة الإسراء (70). وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع قُبيل وفاته بثلاثة أشهر خطب في الناس وقال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا في شهركم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم! اشهد" متفق عليه. فلم تُصنْ كرامة الإنسان بشكل دقيق إلا في ظل الإسلام، في ظل هذه الشريعة السمحة التي جاءت بالخيرية العامة لسائر بني البشر.

الأستاذ أحمد سامر: إذاً هو المُنقذ.

الأستاذ محمد خير: نعم. الإسلام هو المنقذ، وهذا ما تبحث عنه الشعوب الغربية اليوم.

الأستاذ أحمد سامر: وهذا ما يفيده أمثال هذا المنتدى الحواري.

^ دور الإنسان المسلم في نقل رسالة الإسلام إلى الغرب:

الأستاذ أحمد سامر: الذين يعيشون في الغرب مع هذه التكنولوجيا الحديثة، لا يعلمون شيئاً عن عالم الروح، ولا يعرفون شيئاً عن الإسلام، فعندما يتطلعون عليه أعتقد أنهم سيتمسكون به؛ لأنهم سيجدون ضالتهم فيه. وهذا من ثمرات هذه المنتديات أصلاً، وأيضاً نضيفها إلى ما تفضلتم به أنتم وفضيلة الشيخ "خضر" أن يطلعوا على الإسلام المنقذ للعالم اليوم في هذه الحياة المادية.

الأستاذ محمد خير: أنت قلت في الحياة المادية. الآن المجتمع الغربي في هذه الآونة الراهنة يتعرض إلى أزمة اقتصادية عالمية، في حين أن هذه الأزمة لا نرى لها تأثيراً في دولنا العربية والإسلامية بالشكل الصحيح، ولعل السبب في ذلك مخالفة النظام الرباني في العلاقات المالية. وكما قلتُ قبل قليل: إنّها يد الإنسان التي عبثت في الفطرة الربانية فيما خلق الله. أضرب لك مثالاً على ذلك: الله - سبحانه - وتعالى خلق لنا الأنهار، وخلق لنا البحار، وخلق لنا السماء، والليل، والشمس، والقمر... وسخرها كلها من أجل الإنسان. عندما عاثت يد الإنسان فساداً في النهر والبحر والسماء تغير مسار الحياة. نلاحظ مثلاً السماء التي جعلها الله - سبحانه وتعالى - سقفاً يُظلل البشر وهيّأ فيها الكواكب زينة، كما قال الله سبحانه وتعالى:[]إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ[] سورة الصافات (6). الآن أُطلقت فيها الأقمار الصناعية لغايات التجسس وفناء البشرية، واستخدمت السماء كفضاء مفتوح لقصف الشعوب الآمنة، كما حصل في غزة، وكما حصل في جنوب لبنان، وكذلك في العراق، وأفغانستان. نلاحظ أن يد الإنسان عندما تعبث فيما خلق الله - سبحانه وتعالى - من مكونات لخدمة الإنسان تنقلب المسألة رأساً على عقب. فأنت تريد أن تقول في النهاية: إن ما يُصلح الإنسان الغربي، والإنسان الشرقي، إنما هو الإسلام، وأنت تردد دائما مقولة مشايخنا: إذا كان الإسلام يَصلُح لكلِّ زمان ومكان، فإن الصواب في هذه المقولة أن الإسلام يُصلِح كلَّ زمان ومكان، فهو صالح لكل زمان ومكان في تشريعاته، وإذا طُبِّقتْ هذه التشريعات الإسلامية بالشكل الدقيق، فإنه يكون سبباً مباشراً في صلاح الأمة اقتصادياً، واجتماعياً، وفكرياً، وسلوكياً. إذاً فما أحوج الأمة الإسلامية أن تغتنم هذه الدساتير الربانية التي جاءت لمصلحة الإنسان ولخدمته!

ثم على الإنسان المسلم المؤمن أن ينقل ما يعيش به من أمن وسلام وخيرية إلى أصدقائه في الغرب، وأن يستخدم كل وسائل الاتصال. أنت تعلم فضيلةَ الشيخ أن القنوات الفضائية الآن تستهلك من عمر الإنسان حيزاً كبيراً، فلو أننا أردنا أن نحصر فترة أفلام الكرتون للأطفال، هذه الفترة الموجهة لأطفالنا يضعون فيها السم في الدسم، كم ساعةً يستغرق طفلنا أمام التلفزيون وهو يراقب ويشاهد أفلاماً خبيثة، فيها فكر معادٍ للفطرة الإنسانية، وسلوك خاطئ يعود أطفالنا على رذائل الأخلاق؟ ثم إذا انتقلنا إلى مرحلة الشباب، ومرحلة الرجال والنساء، فنجد أن هناك إعلاماً موجهاً من دول الغرب إلى دول الشرق تحديداً؛ لكي تُسحب منا الأخلاق الفاضلة، ولكي تسيء إلى عقيدتنا وثقافتنا وأخلاقنا. إذاً نحن مأمورون ومطالَبون أن نغتنم قدراتنا كلها؛ الإعلامية، والمادية، والفكرية، وكل ما يمكن أن نقدمه من أمثال هذه المنتديات التي يقيمها مجمع الفتح الإسلامي في هذه الأيام بدمشق؛ لكي نساهم في نقل صورة الإسلام الصحيحة والنقية إلى المجتمع الغربي، بكل وسائل الاتصال الحديثة.

الأستاذ أحمد سامر: جزاكم الله خيراً فضيلةَ الدكتور "محمد خير الطرشان"! ذكّرتَني بأحد الشباب الذين لما ظهرت الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدانمارك؛ نظر إلى وسائل الإعلام، الغرب ربما لا يفتح على قناة الرسالة، ولا على قناة اقرأ، ولا على أية قناة من القنوات لكي يأخذ منها الدين الإسلامي الصحيح. فعمد هذا الشاب إلى صحيفة مشهورة جداً في الدانمارك، واستأجر الصفحة الأولى لمدة سنة كاملة، دفع عليها مبلغاً كبيراً، وكل مرة يكتب أحد أعلام المسلمين، والمفكرين، ورجال الفكر الإسلامي عن سماحة الإسلام، وذلك في الصفحة الأولى من هذه الصحيفة الدانماركية. يجب أن يكون أمثال هذا الشاب موجودين. إذاً هذه قفزة، فلو أن في كل بلد غربي صحيفة، ويقوم بما قام به هذا الشاب تجارُنا الأخيار الأبرار، الذين لا نشكو منهم عيباً، لكننا نشكو عدم الوعي الصحيح لكيفية إيصال الإسلام. الآن تُبذل أموالنا في الصدقات، والزكاة، وبناء البيوت، والمستوصفات.... هذا شيء جميل ورائع جداً، وأجمل منه أيضاً وجود وعي عند إخواننا التجار؛ من أجل أن تُحجَز في كل بلد غربي صحيفة تكون مشهورة، والصفحة الأولى منها يكتب فيها مفكر إسلامي بلغة هذه البلد.

الأستاذ محمد خير: شيخ "أحمد"! أنا أسمي هذه الظاهرة استثماراً للصحوة الإسلامية، الآن الشارع العربي يعيش حالة من الصحوة.

الأستاذ أحمد سامر: صحيح!

الأستاذ محمد خير: هذه الصحوة واضحة. لننظر إلى المساجد - ولله الحمد - نجد فيها إقبالاً من جيل الشباب، للنظر إلى الجمعيات الخيرية نجد فيها معونات ومقرّات إنسانية يقدمها المخلصون، والخيّرون من أبناء هذا الوطن الكبير. هذه الصحوة الإسلامية بحاجة إلى استثمار، وتوظيف، وترشيد؛ حتى تؤتي أُكُلّها وثمارها على النّحو الذي ذكرتَه كمثال قبل قليل.

^ العيش المشترك والوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين:

الأستاذ أحمد سامر: جميل جدّاً! جزاك الله خيراً.

فضيلةَ الشيخ "خضر"! اليوم تكلم فضيلة أستاذنا الدكتور "محمد سعيد رمضان البوطي" في حفل الافتتاح في مكتبة الأسد، قال: "أنا سررت من هذا العنوان (الإسلام والغرب)". وسبب السرور أننا لا نعرف في بلادنا - في سورية الأسد - التفرقة بين مسيحيين ومسلمين. ماذا تعلق على ذلك سيدي؟

الأستاذ خضر: الحقيقة كان كلام الدكتور "سعيد" - حفظه الله - في مكانه ومحله، فمن يعيش في سورية يجد أن الحياة حياة مشتركة، جميلة، لا يفرّق أبناء سورية بين مسلم ومسيحي، والحمد لله، لا مشكلة عندنا في هذه القضية، لكن المشكلة بين أولئك الغربيين الذين لم يعوا قضيتنا، ولم ينتبهوا إلى المشكلات التي يطلقها - كما ذكرتَ - ساستُهم علينا، فينجروا وراءهم، فالأفضل أن نعيش هذه الحقيقة، وأن نتبيّنها، نحن نرى الغرب - مثلاً - استاء كثيراً لما حدث في غزة، الكل ارتفع صوته، الكل تحدث، الكل تكلم، لكن الذي يسيئنا: ما الإجراء الذي حدث على الأرض بعد هذه الأصوات المرتفعة؟ هل عوقبت إسرائيل؟ هل سُجن زعماؤها؟ هل دُعوا إلى محاكم ليجلسوا أمام القضاء؟

الأستاذ أحمد سامر: سيدي! لنسأل العرب قبل أن نسأل الغرب: ماذا فعلوا لغزة؟ مازال الحصار مفروضاً على غزة حتى الآن!

الأستاذ خضر: الغرب ارتفعت أصواته، ماذا فعلوا؟ يعني لماذا يستاء المواطن العربي؟ لماذا يستاء المسلم؟ يقولون: الغرب متعاطف معنا. هو متعاطف بالكلام فقط! نحن من عقود طويلة نعيش هذه المظالم، ليست المرة الأولى التي يذبح فيها الأطفال على أرض فلسطين، ليست المرة الأولى التي تكسر أيديهم بالحجارة على مرأى ومسمع من العالم! ليست المرة الأولى التي يقتل فيها الطفل وهو في حضن والده، والعالَم كله ينظر، لكن ماذا فعلوا؟! ماذا صنعوا؟! إنما يزدادون دعماً وتأييداً لهذه الحكومات المتغطرسة! هذا شيء يجعل تحفزاً بين الطرفين. فلا بد من إزالة هذا الإشكال بالحوار، بالتفاهم، بالرؤية المشتركة التي تبدل هذا الظلم والعدوان إلى خير يعم البشرية جمعاء.

^ استثمار الصحوة الإسلامية لتوضيح صورة الإسلام الصحيحة للغرب:

الأستاذ أحمد سامر: جزاك الله خيراً.

        فضيلةَ الدكتور "محمد خير الطرشان"! أثرْتَ فضولي عندما ذكرت هذه الكلمة الجميلة، وهي موضوع استثمار الصحوة في الشيء الصحيح، مثل هذا الشاب الذي حجز الصحيفة في الجريدة. الآن الصحوة الإسلامية موجودة، نشهدها في كل البلدان العربية، لكن استثمار هذه الصحوة كما فعل هذا الشاب، ألا يحتاج إلى وضع برنامج، وآليات عمل حتى تكون أمثال هذه المنتديات ليست قاصرة في بلادنا فقط؟ هل هناك من أفكار يمكن أن يقرأها واحد من الإخوة القراء، والأخوات القارئات في قطرنا الحبيب، وفي خارج قطرنا؟ وعندما يقرؤها هذه الأفكار يمكن أن تلاقي عنده قبولاً كبيراً، ويمكن أن يقوم بتنفيذها. غير موضوع حجز الصحيفة في الجريدة؛ ما هي بنظرك الآليات التي يمكن من خلالها أن يتحاور المسلمون مع الغرب ليوضحوا صورة الإسلام الصحيحة، ورسالة العروبة الصحيحة؟ هل بذهنك بعض الأفكار يمكن أن نسوقها لإخواننا وأخواتنا؟

الأستاذ محمد خير: لا شك أن مشكلتنا التي تكمن في تسويق أفكارنا بشكل دائم هي العشوائية وسوء التخطيط، فنحن نعتمد الارتجال - عادة - في كل قضايانا. أضرب لك مثالاً على ذلك: عندما قامت الضجة في الدانمارك للرسوم المسيئة التي حاولت النيل من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام، كما نعلم جميعاً قد عصمه الله تعالى، وحفظه، وقال له:[]...وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ...[] سورة المائدة  (67). كيف استُثمرت هذه المسألة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ طبعاً بدأت حالة ردة فعل بشكل مباشر، دون تنظيم أو تخطيط لطريقة الرد المُثلى. فمثلاً فرنساً - كدولة أوروبية غربية - فيها قانون، هذا القانون يُعرف هناك بقانون "جيسو". في إحدى مواد هذا القانون فقرة تقول: "كل من يسيء إلى المعتقد الديني، أو الرموز الدينية يُحاكم بالحبس، وبالغرامة المالية". لم يستثمر هذه الفكرة من القانون الفرنسي قُضاتُنا المسلمون، ولا محامونا العرب، كان عليهم أن يكون لهم دور في هذه المسألة، هذه فكرة.

الأستاذ أحمد سامر: صحيح!

الأستاذ محمد خير: فكرة ثانية: نحن نمتلك أن يكون لنا ثورة أمام الأندية الغربية، ومراكز صنع القرار الغربية بالأساليب الدبلوماسية، وعن طريق القنوات الرسمية، فنقدم اعتراضنا، ونقدم شكوانا بطريقة نظامية، لا بطريقة غوغائية أو عشوائية؛ لأننا عندما تصرفنا، فكسرنا الزجاج، وكسرنا واجهات المحلات، وحرقنا الأعلام في الطرقات والشوارع، ماذا كانت النتيجة؟ لقد أساؤوا إلى مصحفنا الشريف!! وأحرقوه في ساحة كوبنهاغن الكبرى، هذه المسألة تدعونا إلى أن نخطّط، وأن نفكر بشكل دقيق، كيف نستثمر صحوة شبابنا المسلم، وفتياتنا المسلمين، وقضاتنا، ومحامينا، وكل الفعاليات التي يمكن أن يكون لها دور أو مساهمة؟ أنا قلت في مثل هذه المناسبة مرةً: شعراؤنا وكتابنا يجب أن يكون لهم موقف، عندنا اتحادات للأدباء وللكتّاب، وجميل جداً ما قام به اتحاد أدباء العرب وكتّاب دمشق عندما أصدر بياناً في غاية الروعة، يستنكر فيه ما جرى في الدانمارك، ويطالب اتحادات الكتّاب في الدول الأوروبية - بما تشكله من بُعد ثقافي - أن يكون لها موقف؛ لأن هذه إساءة إلى رمز عظيم هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أيضاً أقول: يمكن أن يكون لنا مخطط في إيصال فكرتنا، سواء كانت ردة فعل، أو فعلاً ابتدائياً، كأن يكون لنا - مثلاُ - مجموعة أفكار نسوّقها بطريقة إعلامية معاصرة، اليوم الإعلام دخل كل بيت، والدعاية أخذت دورها في المجتمعين الشرقي والغربي. يمكن أن نحجز في القنوات الغربية مساحات للإعلام عن أخلاق الإسلام، وعن شخصية النبي عليه الصلاة والسلام، هذه ردة فعل مضادة، لكن بطريقة حضارية، ومدروسة، ومؤثرة أيضاً، نستثمر فيها كل الإمكانات. فمثلاً المخرجون العرب، المخرجون السينمائيون، المخرجون للمسلسلات والأفلام... يحملون واجباً شرعياً تجاه هذه المسألة، فعندما قدّم أحد المخرجين السوريين مع كاتب له تميّزه عملاً حول رسالة أحمد بن فَضلان، التي سُميتْ "سقف العالم"، كان فيها بعض اللمحات الرائعة جداًً في نص درامي مكتوب بطريقة مثيرة، ورائعة، ومُحكمة، لا شك أن هذه القفزة تعد نوعاً إيجابياً! مثل هذه الأمور يمكن أن تستثمر من كافة الطبقات. نحن - يا شيخ "أحمد" - عندنا مشكلة: دائماً عندما تقوم مسألة من المسائل يحمّل بعضنا المسؤولية للعلماء، البعض الآخر في القضايا السياسية يحمّلها للحكام، فأين بقية أفراد الشعب؟!

الأستاذ أحمد سامر: كل إنسان له مساحة يعمل من خلالها.

الأستاذ محمد خير: نعم. أين بقية الكفاءات؟! لماذا نغيّب دورهم؟ لماذا نغيّب هذه الإمكانات الهائلة الموجودة على الأرض، سواء كانت تجارية مالية، أو ثقافية فكرية، أو إعلامية، أو اجتماعية، حتى الاتحاد النسائي ينبغي أن يكون له دور في هذه المسالة. يعني الذين يطالبون دائماً بحرية المرأة وحقوق المرأة... نريد أن يكون لهم موقف إيجابي في مثل هذه المسائل؛ لأن الإسلام هو أول من أعطى المرأة حقوقها، وأول من كرّمها، وحفظ لها ما تحلم به عبر التاريخ، فالإسلام أعطى المرأة ميراثها بعد أن كانت محرومة منه، الإسلام منح المرأة حق الحياة؛ أقدس حق - وهو ما جاء فيما بعد في وثيقة الإنسان المتفق عليها دولياً - بعد أن كانت المرأة توأد تحت التراب. إذاً.. يمكن بالتخطيط، وبالتنظيم الدقيق أن نصل إلى نتائج إيجابية ومُرضية، وبذلك نتخلص من عشوائيتنا، ومن ارتجالنا المعهود.

الأستاذ أحمد سامر: كلام رائع فضيلةَ الشيخ! جزاكم الله عنا كل خير.

        الحديث معكم ذو شجون، والكلام معكم جميل. إن شاء الله لنا جلسة أخرى حتى نتمّم الحديث عن هذه الأفكار، وعن هذا المنتدى الحواري الذي يقيمه مجمع الفتح الإسلامي بالتعاون مع جامعة ألبرتا في إدمنتون بكندا، تحت عنوان "الإسلام والغرب: تعارُفٌ وحوار". جزاكم الله عنا كل خير.

إخواني القراء! أخواتي القارئات! نترككم في حفظ الله ورعايته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 


 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 3483

 تاريخ النشر: 14/05/2009

2009-05-14

علاء الدين آل رشي

إن قراءة هذا النص توحي أن مكوناته ودلالته رؤية تسكنها حب الخير والجمال والالتقاء على كرامة بني آدم أني مسرور جدا بذلك وآمل أن يسكب الله رضاه على المتحاورين وأخص بالذكر الشيخ محمد خير الطرشان الذي أراه بالفعل رجل وحوار وفضيلة تسامح وفقه علم وقامة خير وتشجيع الوسطية .

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 75

: - عدد زوار اليوم

7807945

: - عدد الزوار الكلي
[ 23 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan