قصتي مع الشيخ محمد عوض – رحمه الله تعالى –
بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان
كنت طفلاً صغيراً لما كان والدي – بارك الله في حياته – يتردد على مجالس الشيخ عبد الكريم الرفاعي – رحمه الله تعالى – وبعد وفاته انتظم في حضور دروس الشيخ محمد عوض – رحمه الله تعالى – و كثيراً ما كان يصحبني معه لدروس الشيخ في جامع الإيمان و جامع زيد بن ثابت ، طمعاً ببركة المجلس ؛ إذ كان مجلساً يمتاز عن غيره بالجمع بين العلم والذكر وتصفية الروح و إذكاء الهمة و علوها ..
وهكذا تعرفت على الشيخ – رحمه الله تعالى – ولما سلكت طريق العلم كان الشيخ محمد عوض قد اختار مجاورة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ، وقدر الله تعالى لي أن أجتمع بالشيخ في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لما أكرمني الله تعالى بالحج إلى بيته الحرام عام أربعة وتسعين ، فقد زرت الشيخ بصحبة شيخي الشيخ عبد الرزاق الحلبي و الشيخ عبد الفتاح البزم و بعض الإخوة و الأصدقاء ممن كانوا في الحج ... و أذكر أنه طلب مني أن أقرأ بضع آيات من القرآن الكريم ، فتلوت قوله تعالى : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا ....) ثم طلب من شيخنا الشيخ عبد الرزاق أن يُسمع الحضور كلمة ، فتكلم الشيخ حول الآيات ، ثم أحال الكلام إلى الشيخ محمد عوض فأفاض الحديث عن معنى الاستقامة ....
وبعد سنتين كنت في المدينة المنورة في موسم الحج وحصل بيني وبين الشيخ موقف طريف جداً ... كنت خارجاً من الحرم النبوي الشريف بعد صلاة العشاء عائداً باتجاه الفندق ، فإذا بي أجتمع بالشيخ قريباً من سكنه ، فسلمت عليه و أمسكني من يدي وقال لي : أنت شامي ؟ قلت : نعم ، فقال : ( تفضل معاي )باللهجة الشامية ، فصحبت الشيخ وكان يمشي وحيداً ، وسألني عن اسمي و عملي ، فذكرت له أني من طلاب العلم في معهد الشيخ صالح الفرفور، و أدرِّس مادة البلاغة ، ولما صعدنا المصعد روى لي قصته مع علم البلاغة قائلاً :
أنصحك بالعناية بها ، فهي تخدم كتاب الله تعالى ، فقد كنت أقول لشيخي الشيخ عبد الكريم : يا سيدي ما حاجتنا للبلاغة ونحن ندرس كتاب الله ؟ فكان الشيخ يقول : هي علم يخدم القرآن ، وستحتاجونه كثيراً... ثم قال لي الشيخ : و اكتشفت دقة كلام الشيخ عبد الكريم لمـَّا سافرت إلى مصر وتقدمت لامتحان الدكتوراة في علوم القرآن ، هناك سألني رئيس اللجنة أسئلة في البلاغة ، ومن علم المعاني على وجه التحديد ، فكنت أجيبه و أقول : رحمك الله يا شيخنا عبد الكريم ...
وقُدِّر لي أن ألتقي بالشيخ يوم زفاف الأخ ضياء رابح ابن الشيخ عبد رابح - رحمه الله تعالى – وكنت أجلس إلى جانبه ، فقال لي : هل حصلت على الماجستير ؟فقلت له : لا زلت في امتحان السنة الثانية ( آنذاك ) فقال لي : أسرع ، هذه الشهادات أصبحت جواز سفر للدعاة ..
و آخر مرة التقيت به منذ سنتين في المدينة المنورة ، حيث كان يجلس كعادته في روضة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فسلمت عليه وطلبت منه الدعاء ، فقال لي : لا تنس قيام الليل و أكثر من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله .
رحمك الله يا شيخنا الجليل ، فقد تركت وراءك سيرة عطرة و سجلاً عظيماً من نشاطاتك المتعددة علمياً و دعوياً وخيرياً و إنسانياً ..
لقد فقد العالم الإسلامي بعامة وسوريا بخاصة أحد الأعلام الكبار الذين كان لهم تأثير في الحياة العامة زمناً غير قصير .
رحم الله شيخنا الجليل ، و ألهم ذويه الصبر والسلوان ، وعوض الله المسلمين خيراً .
التعليقات:
5 |
|
|
مرات
القراءة:
5209 |
|
|
تاريخ
النشر: 27/05/2009 |
|
|
|
|
|
|