::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> خطب الجمعة

 

 

البغي . . .

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

خطبة الجمعة بتاريخ 9/3/2012
في جامع العثمان بدمشق
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، يا ربَّنا لك الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانكَ لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك.. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، لهُ الملك ولهُ الحمد يحيي ويميتُ وهو على كل شيء قدير ، وأشهدُ أن سيّدنا ونبيّنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله وصفيُّه وخليلُه. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على هذا النبيّ الكريم، صلاة تنحلُّ بها العقد وتنفرجُ بها الكرب، وتُقْضى بها الحوائج، وتُنال بها الرغائب وحُسن الخواتيم، ويُستقى الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً..
أما بعدُ فيا عباد الله!! أُوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله تعالى.. وأحثُّكم على طاعته والتمسُّك بكتابه، والالتزام بسنَّة نبيّه سيدنا محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلَّم ومنهاجِه إلى يومِ الدِّين..
يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم في سورة النحل: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90]
أيها الإخوة المؤمنون: هذه الآية الكريمة جرى العُرفُ فيما بين خطباء المنابر من عهد سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه- إلى زماننا هذا أن تختم بها خطبة الجمعة.
 ولعلّها تلفتُ أنظارنا وتستحثنا للسؤال: لماذا هذه الآية دون غيرها من الآيات؟؟!!        لماذا نختتم وعْظنا و إرشادنا لما نتحدث عنه من قرآنٍ أو سنةٍ أو حوادث من السيرة النبوية أو من جملة الحكم والمواعظ والآثار والأقوال.. نختم الخطبة في هذه الآية؟.
لا شك أن السؤال ينبغي أن يكون مُلحاً لأن هذه الآية الكريمة شرعت محاسن الأخلاق، جاء فيها الأمر لثلاثة أمور؛ هي من الأمور الركينة لبناء الشخصية وبناء المجتمعات وفي قيام الأمم والشعوب. ونهت عن ثلاثة أمور؛ هي أيضاً من الأهمية بمكانة؛ ففيها كل ما يحتاج إليه الإنسان.
ولنبدأ أولاً لنتعرف على هذه الآية من لحظة نزولها: فالآية مكية مما نزل في مكة المكرمة. والآيات المكية في القرآن الكريم إنما نزلت لتُثبّت الإيمان والعقيدة، ولتحارب الشِّرك والوثنية، ولتضع الصراط المستقيم، ولتؤسس لقيام الدولة الإسلامية، ولا يمكن أن تُقام الدولة ولا أن يُبنى الأفراد ولا أن تستقر حياة الشعوب إلا إذا تحققوا بهذه الأمور التي أمر الله سبحانه وتعالى بها. (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ)والعدل أساس الحكم وأساس قيام الحياة بأسرها، (وَالْإِحْسَانِ)والإحسان درجة أرقى من العدل وأحسن، (وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ)وهي علاقة المودّة وعلاقة المحبّة فيما بين الناس ابتداءً من النقطة الضيقة وانتهاءً بجميع أفراد المجتمع.. والنقطة الضيّقة هي الأسرة التي تشغل فيما بعد الحي، لتشمل المجتمع ،لتشمل الدولة، لتشمل العالم بأسره. (وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ)وينهى الله سبحانه وتعالى عن الفحشاء التي تخرب النفوس وتُهدّم الأخلاق، وينهى عن المنكر، لأن المنكرات ما وُجدت في قومٍ من الأقوام و في أمةٍ من الأمم إلا تهدّمت كيان تلك الأمة كما حصل مع قوم عاد وثمود. وأما (الْبَغْيِ) فهو موضع حديثنا وهو عنوان بحثنا في هذا اليوم.. الكلمة التاسعة في هذه الآية، وهي الآية التسعون من سورة النحل.
 أجل أيها الإخوة: لِنعدْ إلى أسباب نزول هذه الآية: فهذه الآية كانت سبباً في إسلام سيدنا عثمان بن مظعون -رضي الله عنه وأرضاه-. عثمان بن مظعون: حكيم من حكماء العرب في الجاهلية، كان له مكانةٌ عظيمةٌ ومنزلةٌ مرموقةٌ، ولم يكن ممن عادى رسول الله - صلَّى الله عليهِ وسلَّم- لأن بعض الروايات تقول: إنه كان بينه وبين رسول الله مؤاخاة في الرضاعة.  دعاه رسول الله إلى الإسلام مرات، إلا أنه كان يتريّث، وكان ينتظر ويتصبّر، إلى أن كان ذات يوم في مجلس من مجالس سيدنا رسول الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم -وبينما هو في مجلس رسول الله إذ يرفع رسول الله بصره إلى السماء ثم ينتبه فيقول له عثمان بن مظعون: ما بالك يا محمد؟ -ما الذي حدث!؟- فقال: إن جبريل نزل عليّ الساعة وتلا عليّ قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فقال عثمان في نفسه:  والله إن هذه الآية جمعت محاسن الأخلاق، فانطلق من مجلس النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم حتى أتى مجلس أبي طالب عم النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم فقال له: اسمع ما نزل على ابن أخيك الساعة، وتلا عليه قول الله تعالى..، فقام أبو طالب ينادي في قريش: يا معشر قريش أسلموا بالذي أسلم به محمد فإنه أتاكم بمحاسن الأخلاق.
أجل أيها الإخوة هذه الآية جمعت محاسن الأخلاق كلُّها. وتعالوا بنا نقف عند الكلمة التاسعة في هذه الآية التسعين من سورة النحل ألا وهي كلمة البَغي.
ما هو البَغي في لغة العرب؟ ما المراد منه عند أهل الفصاحة والبيان؟
 لو عدنا أيها الإخوة إلى المعاجم اللغوية سنجد أن كلمة البَغي تدل على معنيين:
المعنى الأول هو: الطلب، يقال بَغَيْتُ الشيء إذا طلبته.
وأما المعنى الثاني فهو: جنس من الفساد. البَغيُ نوع من الفساد ،ونوع من الظلم والعدوان. يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم (فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ)[الحجرات:49]، فَإِن بَغَتْ أي فإن فسدت وظلمت وتجاوزت الحد فئة من الفئتين، طائفة من الطائفتين (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) أي كونوا يداً واحدة على الفئةِ الباغية حتى لا تتجاوز الحدّ في بغيها وهذا أحد أنواع معاني البغيّ في لغة العرب.
ولعلّ من معاني البغيِّ في لغة العرب ما يبدو ظاهراً لدى أيّ إنسان. لو أن إنساناً  فكر في معنى كلمة البغيّ لعرف أنها تدل على الظلم ، فالظالم باغٍ والباغي ظالم. وكلّ مجاوزةٍ للحدّ وكلّ إفراط في الشيء يسمى بغياً: بغى فلان على فلان، بغى الوالي، بغى الحاكم أي: تجاوز الحدّ. قال الله تعالى (يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [يونس:23]أي يتعالون ويتكبرون ويتجبرون ويتعاظمون وهو كله من معاني تجاوز الحدّ لأنهم طغوا وبغوا وكلاهما بمعنىً متقارب أي تجاوزوا الحدّ في الظلم.
ومن معاني البغيّ في لغة العرب: الاستطالة على الناس والوقوع في أعراضهم وتجاوزحرماتهم، وهذا من المعاني التي نشهدها في الحياة الاجتماعية بشكل عام. والله سبحانه وتعالى أشار إلى ذلك في القرآن الكريم بقوله: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ )[الأعراف:33]ن وكل ذلك من المحرّمات فالبغي بغير الحق عند المفسرين إنما يراد به أن يقع الناس في أعراض بعضهم، أن يقع المسلم في عِرض أخيه المسلم،والنبي -صلَّى الله عليهِ وسلَّم - نهى عن ذلك وعدّه نوعاً من أنواع الظلم، وقال: "المسلم أخو المسلم لا يَظلِمُه ولا يَسلِمُه.."متفق عليه.
 فعندما يقع المسلم في عرض أخيه قذفاً أو شتماً أو سباً أو لعناً أو انتهاكاً لحرماته فإنما يبغي عليه، ويتجاوز الحدّ في طغيانه معه، ويقع في ظلمه..
نعم أيها الإخوة.. هذه معاني البغيّ في لغة العرب، مع الآيات والشواهد التي تؤكد هذا المعنى.  وفي النتيجة نستطيع القول إن البَغيَ على نوعين:
1)   بغيٌ ممدوحٌ مطلوبٌ وهو من معانيتجاوز الحدّ في  الشيء، كأن تتجاوز العدل إلى الإحسان، وأن تتجاوز الفرض إلى السنة والمندوب، هذا البغيُّ ممدوحٌ مطلوبٌ وهو من المبشرات، عندما يحرص الناس على أداء السنن بعد الفرائض فهذا من البغي الممدوح، وعندما يحرص الناس أن يبلغوا درجة الإحسان، وهي درجة أعلى وأرقى من درجة العدل، فإنهم يتصفون بصفات الله سبحانه وتعالى ويتخلقون بأحسن الأخلاق، فما أروع أن يُحسن المسلم إلى أخيه، وأن يحسن الإنسان إلى الإنسان، ليتكامل دور كل إنسان في هذا الأرض
2)   أما المعنى المذموم والبغي المذموم: فهو تجاوز الحقّ إلى الباطل، وتجاوز المباح إلى المشبوه حتى يوصله إلى الحرام والنبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم حذّر من هذا المعنى فقال: "إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرتَع فِيْهِ.." متفق عليه
فمن يتجاوز المباح إلى الشبهة وقع في الحرام، ومن يتجاوز الحق الواضح البيِّن إلى الباطل فقد اعتدى وارتكب إثماً عظيماً، وهذه خلاصة معنى البغيُ عند العرب.
أيُّها الإخوة.. تعالوا بنا نعود إلى أحد المعاني التي ذكرتها، ولعلَّه أكثر المعاني التي تلمع في ذهن الإنسان(البغي بمعنى الظلم)، هذا أقرب المعاني إلى التداول والفهم والتوقع فما من إنسان يستخدم مصطلح البغي إلا ويُراد به الظلم وتجاوز الحد.
الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي، الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه عن سيدنا رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم يقول: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..". انظروا إلى هذا الإطلاق أيها الإخوة -لا تظالموا– لم يحدد الظلم النفسي ولا الظلم المادي ولا الظلم الاجتماعي، إنما أطلق تحريم الظلم بأنواعه كلها، ((إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)) [النساء:40]إن الله تعالى يعاقب الظالمين ولا يحب الطاغين. فالظلم الذي يقع فيه الناس متعدد ولعل من أعظم معاني الظلم الشرك بالله، أن يشرك الإنسان بربه سبحانه وتعالى ولو برياء يسير، فالقليل من الرياء شرك، وقد جاء من مواعظ لقمان الحكيم لولده قوله: ((وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ))[لقمان:13]
 أجل أيها الإخوة.. أعظم أنواع الظُلم في الحياة هو الشرك بالله سبحانه وتعالى، فلا يجوز للعبد الذي يؤمن للإله الواحد الأحد أن يشرك معه أحد، ولا في قراراته في هذا الكون فلا إله إلا الله، ولا حاكم على الإطلاق إلا الله، والربوبية كلها لله سبحانه وتعالى، وقد قهر الله تعالى عبر التاريخ كل الذين ادعوا الربوبية من غير الله سبحانه، ففرعون على رأس من ادعي الربوبيّة أين كانت نهايته!؟ وما مصيره؟ هذا هو القرآن الكريم يشهد، وهذا هو المتحف الوطني في مصر يشهد على أن المتكبر المتجبر المتغطرس فرعون كانت نهايته الغرق. وظل آية حتى يعتبر بها الناس إلى قيام الساعة، فإلى أولئك الذين يدِّعون أن هذا الكون إنما أوجد من الطبيعة، وأن هذا الكون لا إله فيه، وأن هذا الكون إنما أوجدته عوامل أخرى، وأطلقوا على نفسهم مسمياتٍ يساريةٍ أو يمينيةٍ أو نحو ذلك.. ليعودوا إلى رشدهم وإلى صوابهم، فالله سبحانه وتعالى أعظم أنواع الظلم عنده أن يشركَ به غيره، وأن يُتخذ في هذه الأرض إلهٌ سواه. فليرتدع أولئك الناس الذين لا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى ولا يؤمنون بوحدانيته وبروبيته.
ومن أنواع الظلم أيها الإخوة: ظلم الإنسان نفسه، بإيقاعها في المعاصي وتركها أن تتمادى في الغيِّ، وأن يعطيها هواها من الشهوات والملذات ونحو ذلك مما يرضي الإنسان، ويوقعه في ظلم نفسه. قال الله تعالى: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثم َأَعْرَضَ عَنْهَا))[السجدة:22ٍ]، ليس هناك أظلم لنفسه مِمَنْ يُدعى إلى الإيمان ولا يستجيب، أن يعرض عن آيات الله وعن ذكر الرحمن سبحانه وتعالى.
ومن أنواع الظلم أيها الإخوة الذي هو من معاني البغيّ أكل مال كل ذي حقّ، الاعتداء على أموال اليتامى، أكل أموال كل ذي حق غصباً أو سرقةً أو احتيالاً أو رِشوةً أو مراباةً أو أي نوع من أنواع الاعتداء على المال. قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًاوَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء:10]
أيها الإخوة: في هذه الآية إشارة إلى هذا اليتيم الضعيف جعله الله سبحانه وتعالى نموذجاً لكي ينظر الإنسان إلى أن أكل المال بالباطل نتيجته وخيمة وعاقبته سيئة. فإذا كان أكل مال اليتيم هكذا فما بالكم بكسب الأموال كلها بلا حدود، وما بالكم بالتجاوز على مال الناس ولو كان شبراً يسيراً من أرضٍ أو عقارٍ أو نحو ذلك. وقد ورد في الحديث عن سيدنا رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله تعالى له النار وحرم عليه الجنة فقال له رجل : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال : وإن قضيب من أراك" صحيح مسلم. لئن اغتصب الإنسان حقاَ لأخيه لا يعادل إلا قضيب أراك فقد أوجب لنفسه النار وحرم على نفسه الجنة. أترون أيها الإخوة إلى عاقبة الظلم والبغي؟ أترون إلى هذا التجاوز الذي تبيحه النفس البشرية؟ فما بالكم بمن لا يُكفّر بكل التجاوزات الانسانية والنفسية والاجتماعية والمادية. أجل أيها الإخوة إن الظلم شيءٌ عظيمٌ بالنسبة للإنسان الضعيف فكيف يقوى هذا الإنسان على مواجهة الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.
ومن معاني الظلم أيُّها الإخوةً التطاول على حرمات الناس وأعراضهم بالقذف والجرح والبهتان والغيبة والنميمة ونحو ذلك. يقول النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم: "إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير الحق" سنن أبي داوود. (والربا هو الزيادة). فلعلَّ من المعاني الاجتماعية التي يقع فيها بغيٌ اجتماعي خطير عندما يفتتن الإنسان في دينه أو في عرضه أوفي ماله أو نقذفه  أو نشتمه أو نسبه أو نلعنه أو نوقعه في الحرج وهذا كله من المحرمات التي ورد النهي عنها في السنة النبوية الشريفة.
وأخيراً أيُّها الإخوة...
من معاني الظلم أكل الحقوق ومنعها بالمماطلة، بترك أدائها، وخاصة إذا كان الإنسان قادراً على أداء الحقوق كالدين مثلاً، والنبي -صلَّى الله عليهِ وسلَّم- اختصر هذه المسألة بقوله: "مَطْل الْغَنِيّ ظُلْم" صحيح بخاري. أوضح النبي -صلَّى الله عليهِ وسلَّم- أن الممطالة أي: تسويف أداء الحقوق والامتناع عنها مع القدرة؛ يُعدّ من أنواع الظلم التي حذّر منها القرآن الكريم وسيدنا رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم بقوله: "اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" رواه البخاري ومسلم .  دعوة المظلوم لا ينافسها دعوة. جاء في حديث آخر متفق عليه عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه "ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم". دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ثم يقول لها وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيل ويرفع الظلم عنا وعن المسلمين جميعاً، وأن يخلقنا بخلق العدل والإحسان والإنصاف، والإحسان إلى ذوي القربى وأن يكرمنا جميعا أن ننهَ عن المنكر، وأن نبتعد عن الفحشاء، وأن لا نقترف الإثم ولا البغي، وأن يحفظ الله بلادنا جميعاً، وأفرادها جميعاً من الظلم والوقوع في الغيّ، وأن يفرج الله كربتنا وأن ينفس الله همنا، وأن يعيد إلينا أمننا وأماننا على الوجه الذي يرضيه عنا سبحانه وتعالى. اللهم اجعلنا من من يتبعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين.
أستغفر الله العظيم.
 
 

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 5646

 تاريخ النشر: 19/03/2012

2012-04-04

صابر حامد

جزاك الله خيراً جزاكم الله خير الجزاء

 
2012-03-21

علا عبد الله صبَّاغ

جزاك الله خيراً. أحب أن أضيف حديث أبي موسى الأشعرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) قال : ثم قرأ :)وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).. متفق عليه. ومعنى كلمة ليملي : أي يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة وهو مشتق من الُملِوَة وهي المدة والزمان).

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 27

: - عدد زوار اليوم

7449443

: - عدد الزوار الكلي
[ 31 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan