::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

الصحبة الصالحة

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

وصف الله تعالى حواراًدار في غار ثور بين النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال : (( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا..)) سورة التوبة (40)
وهنا ملمح لطيف هوالصاحب، أي: الصديق الصدوق الذي يَصدُقُ صاحبه، وليس الذي يُصَدِّقه؛فقد يصدِّقك إنسان لمصلحة، وقد يصدقك لغاية، فإذا زالت تلك المصلحة وحقق تلك الغايةفإنه يعود لكي يكذّبك من جديد. أما الصديق الصادق الصدوق فهو الذي يكون صادقاً معصديقه، إن رأى منه خطأ ستره، وإن رأى منه حسناً نشره، وإن رأى عليه زلّة ذكّره ولميتركه يغرق في تلك الزلة أو الخطيئة التي وقع بها...
إنَّ أخاكَ الحـقَّ مَنْ كانَ مَعـكْ       ومَنْ يَضُـرُّ نَفْسَـهُ لِيَنْفَـعَـكْ
وَمَنْ إذا رَيْبُ الزَّمَانِ صَـدَّعَكْ       فَتَّتَ فِيْـكَ شَمْـلَهُ لِيَجْمَعَـكْ
 
إن أول كلمة عبّر فيها القرآن الكريم عن أبي بكر رضي الله عنه هي "الصّاحب" الصديق الوفي، المُحب، الأمين، الراضي، الصدوق، المخلص، المعطاء... الصاحب هو الذي يعين صاحبه على طاعة الله ومحبته وليس العكس، هناك بعض الأصدقاء يشتّتون حياة أصدقائهم ويبعدونهم عن طريق الصواب، يأخذونهم إلى طريق الرّدى، ويضلّونهم بعد هدى، وهؤلاء حذّر منهم بعض الحكماء بقولهم: "الصاحب ساحب". فهو يسحب صديقه إلى حيث هو؛ فإن كان من أهل الضلال والغواية والفساد فإنه يسحب صديقه إلى الطرق الملتوية والأبواب المتعرجة التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى. أما الصديق الصالح الذي يدل صاحبه على الله فذاك هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله عندما شبه الصديق والصاحب حسن السيرة والسلوك: "كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يُحذِيَك وإما أن تجد منه رائحة طيبة، وأما نافخ الكير فإما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد رائحة خبيثة". متفق عليه.
هذا خير تشبيه لكل من الصديق الصالح والصديق الفاسد، أما الأول فيدلك على الله، ويأخذ بيدك نحو طرق الخير، وأما الثاني فيبتعد بالإنسان عن طريق الهداية ويمشي به في طريق الغواية. فأين أولئك الأصحاب والأصدقاء الذين يخلصون في صحبتهم كما أخلص سيدنا أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
لا شك أنه درسٌ عظيم، وفائدة كبيرة نستفيدها من قول الله سبحانه وتعالى:]...إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ...[سورة التوبة (40). هذا معنى جميل ورائع يبرز العلاقة الإنسانية بأبهى صورها بين الصديق وصديقه، وبين الأخ وأخيه، خاصة إذا كان يجمعهما حب الله وحب رسوله، فقلبان اجتمعا على حب الله تعالى هما في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، كما ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ورجلان تحابّا في الله، اجتمعا عليه، وتفرّقا عليه". متفق عليه. أولئك هم الأخلاء الأصدقاء، والمتحابون في الله الذين ارتقوا منزلة بارزة عالية متميزة عن سائر الخلق حين قال فيهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء". سنن الترمذي.
سيدنا أبو بكر رضي الله عنه كانت له منزلة متميزة في قلب النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان يدافع عنه، ويحرص عليه أشد من حرصه على نفسه، لذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه إذا ذُكر أبو بكر يقول: "ما سابقتُ أبا بكر على خير إلا سبقني. والله لَيومٌ من أيام أبي بكر خيرٌ من حياة عمر كلها".
هكذا يبيّن الصاحب فضل صاحبه، فقد كان أبو بكر وعمر هما الشيخان اللذان يلوذان برسول الله صلى الله عليه وسلم على الدوام، وكانا سنداً قوياً له في كل شؤونه. سيدنا علي رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه عرف قيمة أبي بكر رضي الله عنه، لذلك كان عندما يلتقي مع أبي بكر لا يسلم عليه، فإذا سُئل عن ذلك يقول: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام" وأبو بكر خير مني".
والسلف الصالح عبر السنين كلهم يرون أن سيدنا أبا بكر إنما هو خيرٌ من مؤمن آل فرعون الذي تحدّث عنه القرآن؛ وذلك بسبب صحبته لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصداقته المتميزة التي لم يفارقه فيها يوماً من ليل أو نهار.
 
 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4711

 تاريخ النشر: 27/08/2012

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 2116

: - عدد زوار اليوم

7406927

: - عدد الزوار الكلي
[ 48 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan