الدرامـــا السوريـــة (+18).. لمـــاذا؟؟
بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم
كعادته، استُغلَّ رمضان هذا العام لترويج منتجات فكرية جديدة، أو بالأحرى غريبة عن مجتمعاتنا، وكان بين مسلسلات رمضان لهذا العام تنافسٌ محموم لإبراز أيها الأقدر على تسميم عقول المشاهدين وترويج الأفكار المخلَّة بالأدب.
الدراما هذا العام جاءت بالجديد أمام ما كان يبث في الأعوام الماضية، جاءت بأفكار جديدة، وغريبة عن حياتنا.
ولكن للأسف.. لم تستطع معالجتها بشكل يتناسب وعاداتنا وتقاليدنا، مما جعلها تظهر كنسخٍ مُشوَّهة عن الدراما الغربية بأفكارها وطريقة إنتاجها وتصويرها.
وبالتالي.. نتج لدي سؤال خطر على بالي منذ بداية ظهور مسلسلات هذا العام في رمضان!! لكنني لم أستطع الإجابة عنه بعد!!
............................................
هل يعقل أن تتحول المسلسلات السورية إلى مواد ممنوعة رقابياً؟؟..
هذا ما أثبتته لنا مسلسلات رمضان هذا العام، وهذا ما رأيناه في ما يعرض على شاشات التلفاز من مسلسلات يعتبرها مشاهدوها مسلسلات جيدة نوعاً ما..
فقد اعتاد المواطن العربي على اعتبار المسلسلات السورية "نظيفة أخلاقياً" نوعاً ما مقارنة مع غيرها من المسلسلات، ومن المعروف أنها استطاعت كسب ود المشاهد العربي، وأنها استطاعت الوصول إلى قلبه بما كانت تحمله من إسقاطات على الواقع المعاصر، وتحليلها لمشاكل عالقة وإيرادها للحلول الممكنة..
استفتاء أجرته قناة العربية حول نسبة متابعة الدراما العربية
لكن رمضان هذا العام حمل لنا مفاجآت جديدة، حمل لنا مسلسلات سورية (+18)، ومصطلح (+18) بالنسبة للأفلام والبرامج الغربية يعني أن هذا البرنامج لا تصلح مشاهدته لمن هم دون عمر الثامنة عشرة.. يعني أن هذا البرنامج يحوي ما يُعتبر ظهوره على شاشة التلفاز منافياً للأخلاق!!!
وهذا ما حملته لنا مسلسلات رمضان بشكل عام، فلم يخلُ أي مسلسل تقريباً من مشاهد مخلة بالأدب، أو حوارات منافية للذوق العام.. مما يوحي لنا بأن الرقابة كانت نائمة هذا العام..
تحولت المسلسلات إلى مواطن للأفكار الخبيثة التي تسربت إلى عقول أجيال الشباب الجديدة، وقد قُدِّمَت على أنها للتوعية بما يحدث حقاً في مجتمعاتنا..
ولكن هل حدوث أمر ما في مجتمع ما يعني إظهاره للناس عامة بشكل تمثيلي مع إشارة خفيفة جداً إلى سوئه، وأحياناً حتى تلك الإشارة تنعدم، ويبقى المسلسل مجرد راوٍ لأمر مخل بالمجتمع دون تبيين حقيقته..
وهل يجوز لنا أن نظهر الفساد ونساعد في نشره بين الناس بحجة التوعية؟؟
أم هل يمكن للجيل الجديد أن يُميز بين الفعل الصحيح والفاسد بمجرد عرضه على التلفاز، أم أن عرضه قد يساعد في ترسيبه في عقله الباطني بشكل غير مباشر، ومن المعلوم أن تكرار رؤية الشيء تساعد على اعتياده..
لا أريد أن أدخل في النوايا، ولن أسيء الظن – مع أنه بات ضرورياً مع ما يظهر – لكنني سأتكلم عن وقائع رأيناها في الدراما السورية هذا العام..
............................................
عن ماذا سأتكلم؟؟.. لن أتكلم عن مشاهد الغزل والحب التي انتشرت بين ثنايا المسلسلات السورية وكأنها أمر طبيعي بين اثنين يحبان بعضيهما، ولن أتكلم عن القيم الغريبة عن مجتمعاتنا التي دخلت إلينا عن طريق الدراما التي أصبحت تنشرها كما لو أنها قيمنا الأصيلة.. لن أتكلم عن غرس حب المال والجاه والظهور والشهرة في نفوس الجيل الجديد على أنها حلم حياتهم وطموحاتهم تتحدد في إطارها.. ولا عن تحويل اللصوصية إلى شطارة، واتباع الشهوة إلى حب حقيقي، وحب التباهي والظهور إلى أعمال خيرية..
كل هذا لن أتكلم عنه في مقالي هذا.. وما يهمني كثيراً أن أتكلم عنه، هو أن الدراما السورية هذا العام اخترقت حواجز ما كان يجوز لها اختراقها، ودخلت أبواب لم تُفتح في مجتمعاتنا..
سأتكلم عن مسلسلين اثنين (دون أن أذكر اسميهما)، تحدثا عن ظاهرة جديدة، وإن وجدت في مجتمعاتنا، فإنها موجودة في الخفاء ووراء الأبواب المغلقة، ولا زال مجتمعنا بأكمله ينفر منها ويرفض وجودها في ثناياه رفضاً قاطعاً..
ألا وهي: ظاهرة الشذوذ..
ظاهرةٌ يرفضها الدين والعرف والمجتمع، ولا تقبلها النفس السوية، ظاهرةٌ نسمع عن وجودها أحياناً في مجتمعنا ولكن بشكل سري ومتكتم، لكننا لا نراها عياناً.. ظاهرةٌ يرفض من يفعلها أن يعلن عنها للناس، لأنه يعلم في داخل نفسه أنه يرتكب شيئاً من أشد المحرمات البشرية، لكنه وإن كان يفعله، فإنه يخشى كثيراً من معرفة الناس بها..
ظاهرةٌ اعتدنا إن أردنا أن نتكلم عنها أن نشير إليها إشارة فقط، وإن أردنا أن نجد لها الحلول على أنها مشكلة، أن نحلها بشكل جذري دون محاولة نشرها أكثر..
ظاهرة لا يجوز أبداً الإعلان عنها في مجتمع كمجتمعنا – حتى إن حواها وراء بعض أبوابه – إلا أنه يرفض وجودها بشكل قاطع..
ومع كل ما سبق.. أبرزتها تلك المسلسلات.. أبرزت الشذوذ في مشاهدها، ومع أنها حاولت إبرازه على أنه أمر معيب، إلا أن المصيبة كانت في مجرد إظهاره على التلفاز، الذي يشاهده الجميع كباراً وصغاراً..
لم يعد هناك حرمة لوجود طفل يشاهدها في البيت، ولا لأبٍ لا يريد لأطفاله مشاهدتها، ولا لكبير يُنَزِّهُ بصره عن رؤية (الخنا) كما ينزه نفسه عن العمل به..
من المعروف أن الدراما السورية كانت تحمل القيم الصحيحة وتحاول في مسلسلاتها أن تبرز القيم النبيلة التي نريد كلنا أن نحملها، ولا تألُ جهداً في محاولة توعية الجيل الجديد وإظهار الحلول لمشكلات المجتمع كاملاً... ولكن يبدو أن هذا كان سابقاً فقط..
فأي توعية هذه حين أعرض على شاشة يراها الصغار قبل الكبار ما لا يجوز لي أن أخبر الصغار به بعد؟؟ خصوصاً حين نعلم أن الأمهات للأسف يثقن في الدراما السورية وقد تسمح الواحدة منهن لطفلها أن يتابع أحد المسلسلات حتى وإن لم تكن تعرف ما يعرضه وما هي قصته..
وأي توعية حين أظهر مرضاً خلقياً خطيراً في المجتمع وأكون عاملاً من عوامل نشره..
وأي توعية حين لا أعرض الحل الصحيح لهذا المرض، وأعرضه فقط دون عرض العلاج؟؟؟
أم أي توعية حين يظهر أحد الشبان في مسلسل ما على أنه شاذ، ونرى من حوله يقبلون ما هو عليه دون أن يعترضوا على ما يفعل، ويعتبرونه حراً فيما يفعل، ويقولون أنهم لا يحاكمونه على أمر خاص به؟؟
أم أن هذه التوعية تكون بأن نجعل الشباب الجديد يرى أمراً جديداً من الممنوعات عليه، دون ذكر علاج للمشكلة، لعله يحاول ممارسته في يوم من الأيام؟؟
هل هذه هي التوعية الصحيحة التي باتت تحملها لنا الدراما السورية؟؟
............................................
ظاهرة جديدة لم تكن مسبقاً، ومع أن البعض قال لي بأن الدراما السورية منذ عدة سنوات بدأت تظهر فساداً جديداً لم يكن في مشاهدها..
لكن هذا العام كان اختراقاً واضحاً لحرمة مجتمع كامل.. بل حرمة وطن كامل، فمن المعروف أن الدراما السورية محبوبة في كل أرجاء الوطن العربي..
كانت الدراما هذا العام تجاوز غير مسبوق للحدود التي تواضعت عليها الأعراف، تجاوز غير مقبول بأي شكل من الأشكال ولا يحتمل التأويل بأي وجه...
يبدو أن الدراما السورية بالفعل تتجه لتكون دراما (+18)، لا يجوز لمن هم تحت سن الـ (18) رؤيتها أبداً.. وإلا فإنها ستسبب انحرافات أخلاقية جديدة..
خصوصاً وأنه من المعلوم أن للتلفاز دورٌ كبير في تغيير المفاهيم وإقناع الجيل الجديد بقيمٍ غريبة عنهم كلياً، ودوره محددٌ في أنه يبثُّ "الصورة" .. الصورة التي ينظر إليها الإنسان بعينه فتدخل إلى عقله الذي يحللها ويتناغم معها ويعيها ويتفاعل مع تأثيرها ويضعها ضمن محفوظاته ومفضلاته.. الصورة التي أصبحت أداة إخضاعٍ لا شعوريٍّ لمتلقيها، والتي لم تعد مجرد أطياف وظلال، بل باتت أداةَ حفرٍ وتشكيلٍ في عقل رائيها .... الصورة التي تُبثُّ عبر التلفاز، فتتحكم في عقل مشاهدها وتملك الوسيلة إلى تغيير مفاهيمه وتفكيره.. وفي عصر الصور الذي نعيش فيه، بات ذلك ممكناً جداً، بل محققاً على أرض الواقع..
ويبدو أن عملنا الآن يكمن في توعية الآباء والأمهات بخطر الدراما الجديد، لعلهم يحمون أبناءهم منها، ومع أننا في عصر انفتاح كامل على المعلومة، ومع أن الطفل بات بإمكانه أن يرى من المحرمات ما يشاء عبر الإنترنت، إلا أننا لا نقبل أبداً أن يتحول التلفاز أيضاً إلى بؤرة فساد جديدة..
تلك كانت وجهة نظري القابلة للنقاش والحوار، لكنها رؤية آلمتني رمضان السابق، خصوصاً حين تخيلت أمَّاً تطمئن لأن يشاهد ابنها الصغير مسلسلاً سورياً، وهي تعمل في المطبخ أيام رمضان دون أن تراقب ما يشاهد طفلها بعناية، لأنها مطمئنة إلى أن هناك حدوداً في الرقابة على المسلسلات السورية، ولم تعلم أن الرقابة كانت نائمة هذا العام، ولعلها لن تصحو !!!!!!!!!!!
التعليقات:
2 |
![](images/comments.jpg) |
|
مرات
القراءة:
4212 |
![](images/reading_times.jpg) |
|
تاريخ
النشر: 22/10/2009 |
![](images/date_pub.jpg) |
|
|
|
|
|