فقه التغيير: (ما اتبعتك على أنك نبيٌّ!!)
بقلم : إبراهيم العسعس
يُروى أنَّ أحد العلماء ممن له أتباع، اقترفَ ذنباً كبيراً فانفضَّ عنه كثيرٌ من مُريديه، وخرج إلى مجلسه في اليوم التالي فوجد أحد تلاميذه بانتظاره يحمل له كتبه، فتعجب من بقائه وسأله: لماذا لم تتركني كالآخرين؟! فقال له التلميذ بكل ثقة:
(( لم أتبعك على أنك نبيٌّ )).
قد تكون هذه "الكلمة القاعدة" بسيطة لدرجة السذاجة، وقد تبـدو أنها تحصيل حاصل، وأنه لا حرج ولا صعوبة في التزامها. وهكذا كل القواعد سهلة جميلة عندما تكون مجرد قصائد يتفاخر الناس بها، ويَعِدُون بتطبيقها عندما تـقع الواقعة! ولكن عندما ينادي المنادي أن هلموا فقد حان وقت التطبيق، نكصوا على أعقابهم، فتضيع القواعد ما بين تأويلٍ بعيد، أو تعصب أعمى، أو تفلُّتٍ مُفرِّط، أو مثالية مُفْرِطة.
((لم أتبعك على أنك نبي!)) عندما تتبع أحدهم، أو تعجب بأحد العلماء فإنه يكتسب حصانة بوعي أو بلا وعي منك؛ حصانة تحفظه من الخطأ من وجهة نظرك! أنت لا تقولها بهذه الصراحة، ولكنك تمارسها! تتبعه وكأنه نبي، وتعجب به وكأنه معصوم! ولو سُئلت عن هذا الموضوع لشرحت لنا ساعات عن بشرية العلماء والمربين، وأنهم يخطئون ويقصرون.. الخ...
وتظهر نبوة من تتبع ومن تحب عندما يبدأ الرجل يفقد توازنه ويتنقل بين الآراء، ويغير أقواله كما يغير ملابسه، فإن شرق شرقت معه، وإن غرب غربت معه.. وليس هذا فحسب بل إنك تنصب نفسك مدافعاً عن تنقلاته، وتشريقاته وتغريباته، فإن قال: أسرعوا، قلتَ: .. وفاز باللذة الجسور، وإن قال: قفوا، قلتَ: لله درك من حكيم!، وإن قال: ناموا! قلت: .. ولا تستيقظوا!، وإن قال: علينا أن نُثمن موقف فلان الذي يسمح للناس بالصلاة يوم الجمعة!، قلت : علينا وحوالينا وتحتنا وفوقنا...! والخلاصة أنك تفقد بوصلتك مع هذا الرجل، ولا عجب ـ وأين العجب ؟! ـ ألم تتبعه على أنه نبي؟!
والمشكلة تكبر وتدق عندما يكون هذا النبي صاحب تاريخ مشرف ومواقف سابقة، فمثل هؤلاء الأنبياء تكون الفتنة فيهم كبيرة، وسهولة تنصيبهم أنبياء تكون أسهل!
نظرياً أستطيع أن أقول لك: اعلم يا أخي أن الرجال يدورون مع الحق وليس العكس... أستطيع أن أقول هذا وبسهولة، وتستطيع أن تسمعه بسهولة ورحابة صدر، لكن المهم مدى قدرتك على استحضار هذا الكلام في مواجهة من اتبعته على أنه نبي!
((لم أتبعك على أنك نبي!)) لها وجه آخر قبيح، وهو ردة فعلك القوية عندما تتطلع على خطأ أو تقصير من هذا الذي اتبعته على أنه نبي! وكم رأينا من نكص على عقبيه عندما رأى من أخ له ذنباً أو خطأ! هذا وهو قرين له في السِّنِّ والدرجة، فكيف إذا كان نبياً؟!
يحدث هذا لأنك تشتبك بهذه العلاقة وقد رفعتَ سقف التوقعات إلى الدرجات العُلى، فإن صدر عنه ما هو من مقتضيات البشرية، سقطت من علٍ، وقلت في نفسك: ما كان ينبغي أن أثق أو أتبع ... وأقول لك: رفقاً بنفسك، وبالبشر، فأنت لا تتعامل مع أنبياء، ولا مع ملائكة.. وقل لنفسك دائماً: ختمت النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم يا نفس، فلا تصاحبي الناس على أنهم أنبياء، وقل لمن تصاحب وتتبع، لم أصاحبك ولم أتبعك على أنك نبي!
المصدر: موقع مجلة العصر
التعليقات:
1 |
|
|
مرات
القراءة:
3390 |
|
|
تاريخ
النشر: 22/11/2009 |
|
|
|
|
|
|