::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مساحة حرة

 

 

الدّين الحقُّ.. والدِّين الصِّناعي!!!

بقلم : الأستاذ تحسين بيرقدار  

 

هل تعرفُ الفرق بين الحرير الطبيعي والحرير الصناعي؟ وهل تعرف الفرق بين النِّمر وصورة النِّمر؟ وهل تعرفُ الفرق بين الدنيا في الخارج والدنيا على الخريطة؟ وهل تعرف الفرق بين عملك في اليقظة وعملك في المنام؟ وهل تعرف الفرق بين إنسان يسعى في الحياة، وبين إنسان من جَصٍّ وُضعَ في متجر لتُعرض عليه الملابس؟ وهل تعرف الفرق بين النائحة الثكلى والنائحة المُستأجَرة؟ وبين التّكحُّل في العينين والكَحَل؟ وهل تعرف الفرق بين السيف يُمسكه الجندي المحارب وبين السيف الخشبي يُمسكه الخطيب يوم الجمعة؟ وهل تعرف الفرق بين الناس في الحياة والناس على الشاشة البيضاء؟ وهل تعرف الفرق بين الصوت والصدى؟ إن عرفت ذلك فهو بعينه الفرق بين الدّين الحق والدين الصناعي.

يكدُّ الباحثون أذهانهم، ويجهد المؤرخون أنفسهم في تقليب صحفهم ووثائقهم عن تعرُّف السبب في أنّ المسلمين أول أمرهم أتَوا بالعجائب، فغزوا وفتحوا وسادوا، والمسلمين في آخر أمرهم أتَوا بالعجائب أيضاً، فضعفوا وذلّوا واستكانوا، والقرآن هو القرآن، وتعاليم الإسلام هي تعاليم الإسلام، ولا إله إلا الله هي لا إله إلا الله، وكلّ شيء هو كل شيء، ويذهبون في تعليل ذلك مذاهب شتّى، ويسلكون مسالك متعددة. ولا أرى لذلك إلا سبباً واحداً وهو الفرق بين الدين الحق والدين الصناعي.

الدّين الصناعي: حركات وسكنات وألفاظ، ولا شيء وراء ذلك،

والدين الحق: دين روح وقلب وحرارة.

الصلاة في الدين الصناعي ألعاب رياضية، والحج حركة آلية، ورحلة بدنية، والمظاهر الدينية أعمال مسرحية وأشكال بهلوانية.

و"لا إله إلا الله" في الدين الصناعي قول جميل لا مدلول له.

أما في الدين الحق فهي كل شيء، هي: ثورة على عبادة المال، وثورة على عبادة الجاه، وثورة على عبادة الشهوات، وثورة على كلِّ معبود غير الله.

"لا إله إلا الله" في الدين الصناعي تتفق مع إحناء الرأس والخضوع لشهوة البدن، وتتفق مع الذلة والمسكنة. و"لا إله إلا الله" في الدين الحق لا تتفق إلا مع الحق. 

"لا إله إلا الله" في الدين الصناعي تذهب مع الريح، وفي الدين الحق تُزلزل الجبال.

الدين الصناعي صناعة كصناعة التجارة والحياكة، يمهر فيها الماهر بالحذق والمِران، أما الدين الحق فروح وقلب وعقيدة. ليس عملاً، ولكنه يبعث على كلِّ عمل جليل، وكلِّ عمل نبيل.

الدين الحق "إكسير" يحلُّ في الميت فيحيا، وفي الضعيف فيقوى، هو حجر الفلاسفة تضعه على النحاس والفضة والرصاص فتصيرُ ذهباً. هو العقيدة التي تأتي بالمعجزات، فيقف العلم والتاريخ والفلسفة أمامها حائرة: بمَ تُعلّل؟ وكيف تشرحُ؟

هو الترياق الذي تتعاطى منه قليلاً فيذهب بكل سموم الحياة، هو العنصر الكيميائي الذي تمزج به الشعائر الدينية فتطير بك إلى الله، وتمزج به الأعمال الدنيوية فتذلل العقبات مهما صعبت، وتصل بك إلى الغرض مهما لاقت.

هو الذي وجده كلُّ من نجح، وهو الذي فقده كلُّ من خاب. هو الكهرباء الذي يتصل فيدوِّر العجل، ويسيّر العمل، وينقطع فلا حركة ولا عمل.

هو الذي يحل في الأوتار فتوقّع أعذب الأنغام، وكانت قبل ذلك حبالاً، وفي الصوت فيغني أجمل الأغاني، وكان قبل ذلك هواء.

الدين الحق يحمل صاحبه على أن يحيا له ويحارب من أجله، والدين الصناعي يحمل صاحبه على أن يحيا به، ويتاجر به ويحتال به.

الدين الحق صاحبه فوق كلِّ سلطة وفوق كل سلطان، والدين الصناعي يحمل صاحبه على أن يلوي الدين ليخدم السلطات، ويخدم أصحاب الجاه والسادات.

الدين الحق قلب وقوة، والدين الصناعي نحو وصرف وإعراب وكلام وتأويل.

الدين الحق امتزاج بالروح والدم، وغضب للحق ونفور من الظلم وموت في تحقيق العدل. والدين الصناعي عمامة كبيرة، وجبةٌ فارهةٌ، وحذاء يلمع، وأكمام واسعة.

جناية أهل كل دين أن يبتعدوا ـ كلما تقدم بهم الزمان ـ عن روحه ويحتفظوا بشكله، وأن يقلبوا الأوضاع، ويعكسوا التقدير، فلا يكون للروح قيمة، ويكون للشكل كلُّ القيمة.

شأن "الإيمان" شأن العشق، يحوّل البرودة حرارة، والخمول نباهة، والرذيلة فضيلة، والأثَرَة إيثاراً.

والإيمان الحق كالعصا السحرية، لا تمسّ شيئاً إلا ألهبته، ولا جامداً إلا أذابته، ولا موتاً إلا أحيته.

من لي بمن يأخذ الدين الصناعي بكل ما فيه، ويبيعني ذرة من الدين الحق في أسمى معانيه؟

ولي كَبِدٌ مقروحةٌ من يبيعُني           بها كَبِداً ليست بذات قروحِ

 

المقالة للدكتور أحمد أمين.     كتبها: الأستاذ تحسين بيرقدار بشيء من التّصرف.

 


 التعليقات: 3

 مرات القراءة: 6062

 تاريخ النشر: 17/01/2010

2010-07-25

ذبول وردة

المقال جد رووعة وعمق وفائدة .. شكرا لكاتبه الدكتور الأديب الداعية أحمد أمين .. وبالنسبة للأستاذ تحسن ،،عفوا منك أين هو التصرف في هذا المقال ممكن .!!! لأن المقال الأصلي موجود ومالاقيت أي اختلاف ولو بحرف أو حتى اشارة ترقيم ...

 
2010-04-18

صفاء دياب

وفقك الله ياأستاذ وجزاك خيراً فالمقالة تثلج الصدر وتبعث فينا أن نستوقف ونتفكر ونقيم أنفسنا كل واحد يقيم من هو ؟ ماذا نفعل من أجل ديننا ؟وما هي الدرجة اتي نستحقه على أفعالنا برأيي من يحاسب نفسه ويقيم فعله كل يوم بيوم قبل النوم ولو بنصف ساعة يقلل من أخطائه ولكن عليه الاستفادة وعدم الرجوع الى الخطأ شكرا لك أستاذ تحسين

 
2010-01-19

مخلص

جزاك الله خيراً يا أستاذ تحسين بيرقدار على هذا المقال الرائع و الخاتمة المميزة ( شأن "الإيمان" شأن العشق، يحوّل البرودة حرارة، والخمول نباهة، والرذيلة فضيلة، والأثَرَة إيثاراً. والإيمان الحق كالعصا السحرية، لا تمسّ شيئاً إلا ألهبته، ولا جامداً إلا أذابته، ولا موتاً إلا أحيته )

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 572

: - عدد زوار اليوم

7400727

: - عدد الزوار الكلي
[ 42 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan