::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مساحة حرة

 

 

وِقفة جديدة .. واستعدادٌ لانطلاقٍ جديد

بقلم : دعاء الأصفياء  

 

 
 1432هـ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والصّلاة والسّلام على رسوله الكريم
 
 
ويَمضي
بنا قطار الحياة، قاطعاً بطريقه محطّة تِلْوَ محطّة، وما أكثرها من محطّات يتوقّف بنا على أرضها، فمنها ما نتعرّض فيه لما يتعبنا ويضنينا، ثمّ نتابع المسير بعد أن أعاننا خالقنا على اجتياز تلك المحطّة المؤلمة، ومنها ما يملأ قلوبنا بهجة وسرورا، ثمّ نغادرها كما غادرنا غيرها، ومنها.. ومنها.. ومنها..... محطّات كثيرةٌ نقطعها، ما بين مصاعب تزيدنا بإذن الله جَلَداً وقوّة، وتعلّمنا الدّروس والعِبر، وبين استراحات تُضفي على الرّحلة جانباً كبيراً من المتعة والمرح، فتنسينا وعثاء السّفر...
        لكنّ نوعاً من المحطّات قد تميّز عن غيره بنكهة خاصّة؛ لكونه مزيجاً من الهمّ والسّعادة؛ فإذا ما توقّف بنا قطار حياتنا عند تلك المحطّة داعبتْنا نسمة عليلة متسلّلةً إلى أرواحنا لتمنحها شحنةً كبيرة من الأمل والثّقة بأنّ ما تبقّى من محطّات سيكون أفضل وأجمل. وفي الوقت نفسه ينتابنا شعور بمسؤوليّة عظيمة لا يتحقّق جمال المحطّات القادمة ما لم نحملها على عاتقنا.
        هي محطّة نمرّ بها كلّ عام، فتكون الجسرٌ الّذي نعبره لينقلنا من عام إلى عامٍ جديد، وفي كلّ مرّة يزيد العدّاد رقماً يعبّر عن مرورٍ جديد بتلك المحطّة، وفي الوقت ذاته هو رقمٌ يدلّ على تناقص المحطّات الّتي بقيت، ويُنذِر باقتراب انتهاء الرّحلة.
        منذ 1431 عاماً كان تأسيس تلك المحطّة العظيمة ليتمّ اجتيازها للمرّة الأولى، وعاماً بعد عام يكرّر القطار هذا المرور بمن فيه من مسافرين، إلى أن ركبه كلّ واحد ممّن يقرأ هذه الكلمات، لنجدّد المرور بها اليوم (المرور الثّاني والثّلاثون وأربعمئة وألف).. اليوم حيث نتوقّف من جديد عند ذكرى *هجرة أحمدنا صلّى الله عليه وسلّم*، لنعيش الشعور الأول; شعور الفرح بأنّ هذا اليوم كان بدايةً للفتح والنّصر المبين، الفرح بأنّ هذا اليوم هو اليومُ الأوّل في رحلة بناء الدولة الإسلاميّة الّتي ستنقذ العالم مما هو غارقٌ فيه من وحول الجهل والضّلال، الفرح بأنّ هذا اليوم على الرّغم من أنّه اليوم الّذي سيكون فيه الخروج من أحبّ البقاع إلى قلب سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، إلا أنّ ذلك الإنسان العظيم حوّله بثقته بالله ثمّ بعزيمته وإرادته إلى يومٍ يفوق العسلَ بحلاوته، نعم إنّه يوم هجرة حبيبنا وسيدنا، هجرة الإنسان الّذي هو أغلى من آبائنا وأمّهاتنا، وأغلى على أنفُسِنا من أنفُسِنا; لأنّه خيرُنا وأَنفَسُنا، لا يستحقّ هذه القيمة العظيمة إلا من اشتدّ عليه أن نلقى المشقّة والمكروه، وحرص علينا لنكون من النّاجين يوم الفزع الأكبر:{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة (128).
من أجل الحقّ، ودفاعاً عن الحقّ كانت هجرته الّتي لاقى ما لاقى فيها من نَصَبٍ وعناء، واحتمل ما لا يحتمله أحدٌ من الإيذاء، حتّى وصل الدّين إلى ما وصل إليه من قوّة ومنعة ليقدَّم لنا على طبقٍ من ذهب. هنا يأتي دور الشّعور الثّاني الّذي يتملّكنا في هذه المحطّة القصيرة الطّويلة; شعور المسؤوليّة العظيمة الّتي تتطلّب منّا إكمال طريق الهجرة للمحافظة على الصّورة النّاصعة الّتي رسمها لنا سيّد المهاجرين عليه أزكى الصّلاة والتّسليم.
نتوقّف في هذا اليوم لنتأمّل حياةً قُضيت في عملٍ دؤوب وجهد متواصل، حياة إنسان جاهد وناضل بكلّ ما أوتي من قوّة، فتعرّض لما لم يتعرّض له أحدٌ من العالمين، عانى الفقر والجوع وبإمكانه أن يعيش في غنىً ما عاشه أحد قبله ولا بعده، ذاق الأذى والشّتيمة وهو الّذي يستطيع الخوض في أنهار النّعيم دون أن تناله شوكة، جاهد وناضل لا لغاية شخصيّة، ولا لهدف مادّي، إنّما ليقيم حكم الواحد الأحد في هذه الدّنيا. حريٌّ بنا مع تأمّلنا فيما عمل وأنجز، أن نتأمّل فيما عملنا وأنجزنا، هل بلغ مقدار ذرّة مما عمل؟ هاجر هو وأصحابه رضي الله عنهم فأقاموا أعظم دولة في تاريخ الإنسانيّة، تركوا وراءهم كلّ شيء، لكنّهم حصلوا على كلّ شيء، فهل هاجرنا نحن كما هاجروا؟ لا نقول هجرة أبدان كهجرتهم، إنّما هي هجرة القلوب إلى خالقها لتنصاع لكلّ ما يأمرها به، وتهجر كلّ ما نهى عنه، هجرة إلى سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم، للامتثال لسنّته الّتي بات كثيرٌ منّا اليوم يتفلّت منها ويعدّها عاداتٍ جاهليّة عليه التّخلّص منها، هجرة من الدّنيا وزخارفها الزّائلة إلى عالمٍ آخر نعمل فيه على الحفاظ على هذا المجد الّذي كلّف ثلاثة وعشرين عاماً كي يُشاد ويُبنى، المجد الّذي لا يمكن المحافظة عليه إلا إذا حافظنا على تطبيق ديننا كما جاء من عند خالقنا دون زيادةٍ أو نقصان.
ذكرى الهجرة النّبويّة.. يومٌ جديد، وعامٌ جديد، ووقوفٌ جديد، لنعلن بعدها انطلاقةً جديدة، نسأل الله أن يجدّد فيها إيماننا، ويعيننا على ترك بصمة قويّة في خدمة هذا الدّين قبل أن نصل إلى نهاية الطّريق... مع ليلة يومٍ مشرقٍ بأنوار النّبوّة.. كلَّ عام وأمّتنا الإسلاميّة بألف خير، كلَّ عام ودعاتنا العاملون الصّادقون بألف خير، كلَّ عام وجنود الحقّ في كلّ مكان بألف خير، كلَّ عام وإخواننا الصّامدون في فلسطين المحتّلة بألف خير، كلَّ عامٍ وكلُّ مرابط على دينه مجاهد لنفسه بألف خير، كلَّ عام وجميع قرّاء موقع رسالتي بألف خير...
 
 
 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 3305

 تاريخ النشر: 06/12/2010

2010-12-09

سلطان

في الواقع اليوم كيف نهاجر ؟ و كيف نعيش مثل هجرة الرسول عليه الصلاو و السلام ؟

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1088

: - عدد زوار اليوم

7777755

: - عدد الزوار الكلي
[ 39 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan