الشيخ محمد خير الطرشان لموقع حياة أمة: الشباب هم كنز الأمــة..
بقلم : إدارة التحرير
حوار مع الداعية الشيخ محمد خير الطرشان
أجرى الحوار موقع حياة أمَّة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يتجدد اللقاء معكم دوماً، مع شمعة من شموع هذه الأمة التي تنير الدرب للسائرين، ونحن اليوم في ضيافة الأستاذ الداعية فضيلة الشيخ محمد خير الطرشان المحاضر في مجمع الفتح الإسلامي بدمشق والمشرف العام على موقع رسالتي. نت.
والشيخ محمد يعد غير برنامج سواء مرئي أو مسموع على إذاعة القدس وغيرها من الإذاعات والقنوات التلفزيونية، كما يتميز الشيخ بروحه الشبابية الشفافة التي تجعله قريبا من نفوس الشباب وملامسا لآمالهم وآلامهم.
فضيلة الشيخ نشكر لكم هذا الوقت الذي منحتموه لنا وسوف نسلط ضوء الحديث على الجيل الشبابي الواعد الذي سيحيي هذه الأمة إن شاء الله تعالى.
ـ بداية نحب أن نبتدئ معكم من واقع الشباب، هل لك أن تحدثنا عن الأمور التي تشغل الشباب وتأخذ وقتهم في عصرنا هذا؟
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وافتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين.
إن مرحلة الشباب من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن مراحل عمره، والتي تبدأ بالطفولة، مروراً بالشباب، وانتهاءً بالشيخوخة. هذه المرحلة هي مرحلة الحيوية والإنتاج، المرحلة الممتلئة بالحماس، المتميزة بالعزم، الحافلة بالنشاط، مرحلة القوة بين ضَعفين؛ ضعفِ الطفولة، وضعفِ الشيخوخة، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)) سورة الروم (54).
ومن هنا كانت أهمية هذه المرحلة وأهمية العناية بها وتوجيهها؛ حتى لا تضلَّ الطريق ولا تَضيْعَ هذه الثروة التي هي أغلى الثروات على الإطلاق.
وإذا أردنا أن نعرف مستقبل أمة من الأمم فلْننظرْ إلى موقع شبابها فيها، ما الذي يشغل الشباب ويمهمّهم في هذه الأمة؟ ما هي مُثُلُهم العُليا؟ ما هي أهدافهم في الحياة؟ ماذا يصنعون؟ فيمَ يفكّرون ويخطّطون؟ بأي شيء يحلمون؟ علامَ تدور أمورهم في مجالسهم وندواتهم؟؟ هذا ما ينبغي أن نسال أنفسنا عنه بشكل مستمر إذا أردنا لهذه الأمة أن تكون قوية وثريّة. فالشباب مرحلة هامة وخصبة من مراحل عمر الإنسان، ولهذا يجب أن نُعنى بها، وكلّنا مسؤولون، ابتداءً من الآباء والأمهات إلى أعلى المستويات..
وواجبنا في ملء الفراغ الذي يعيشه شبابنا بما ينفعهم وينفع أمتهم:فعلينا أن ننظر إلى هذه المسألة بجدّيّة، فلا ننظر إلى المطالب المادية على أنها هي وحدها المطلوب توفيرها، بل قد يكون في هذا التوفير خطر على أبنائنا..
فشبابنا اليوم في خطر، ويكمن هذا الخطر في عدة نقاط:
أ- خطر الفراغ، فلا رسالة ولا هدف:
للأسف إن معظم شبابنا يعيشون حالة من الفراغ، ولا يجدون من أهلهم من يشجعهم على ملء الفراغ، ولا يجدون من المجتمع من يستثمر الطاقة الموجودة عندهم، فراغ في الأوقات، فراغ في النفوس، فراغ في المعتقدات، فراغ في الأهداف والغايات، نفوس فارغة من المثل العليا والأهداف العظمى ومن القيم التي كان يحملها أمثالهم من شباب صدر الإسلام الأول.
ب- خطر الانحراف بالفضائيات الفاسدة وعدم الانتفاع بالصالحة منها:
الشباب اليوم يفتقد حسن التوجيه، ويفتقد المصدر الذي يجد فيه هذا التوجيه الصحيح أمام فضائيات منتشرة هنا وهناك، تقدّم له نماذج وعيّنات من الفساد والانحراف السهل. الانحراف لا يحتاج إلى مشقة، إنما الإصلاح هو الذي يحتاج إلى البذل والمشقة والجهود المضنية، لذلك فإن الفضائيات الفاسدة تعمل عملها في عقول وأفكار شبابنا، فيَضِلّون ويَفسُدون وينحرفون بسهولة.
جـ- خطر المخدّرات:
فأرقام الإحصائيات التي تتحدث عن المخدرات في العالم مذهلة، وخاصّة في منطقتنا العربية. فقد كَثُرَ الشباب الذين يتناولون المسكرات والمخدرات والسموم القاتلة، ويضيّعون أوقاتهم في لهوٍ ولعب من غير ما فائدة ونتيجة.
ء- خطر استهداف شبابنا من قِبل الأعداء كونهم أغلى ثروة:
هناك إحصاءات كثيرة وأرقام مذهلة ظهرت عن شباب أمتنا العربية والإسلامية، وأعداؤنا يركّزون دائماً على المنطقة العربية؛ لأنها منطقة خصبة مليئة بالثروات، وهم يسعون إلى استلاب ثرواتنا وخاصة ثروة الشباب التي هي أغنى الثروات..
هـ- خطر سماسرة الشباب:
إن من أخطر ما يعاني منه جيل الشباب في زماننا هذا هو ظهور سماسرة للشباب يسوقونهم للفساد والإفساد في كل بلد يكون فيه الشباب، في بلاد العرب والغرب والشرق الأقصى والشرق الأدنى، حيث يذهب الشباب إلى هناك للسياحة والسفر، ويذهبون في رحلات ربما تكون مختلطة بين الشباب والبنات، نجد أن هناك سماسرة يتلقّفون هؤلاء الشباب من سُلَّم الطائرة، ويجرّونهم إلى الفواحش وأماكن الفساد. وهذا مخطط رهيب لإفساد شبابنا العربي والإسلامي الذي يذهب إلى البلاد الأوربية والأمريكية والأسيوية ليقضي جزءاً من وقته في فسحة، فإذا به يذهب ويعود وقد تدمّرت أخلاقه وتحطّمت نفسيّته.
ـ ما السبيل إلى إصلاح شبابنا؟
علينا أن نبحث عن العلاج من الناحية الإيمانية ، والذي ربما يكمن في:
أ- القدوة الحسنة:حينما نقرأ اليوم تراجم الصحابة الشباب الذين نشؤوا في صدر الإسلام كسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، سيدنا أسامة بن زيد، الشباب اليوم بحاجة إلى القدوة الصالحة، فهل نجدها في البيت؟ أو في المدرسة؟ أو في المجتمع؟ أو في الجامعة؟ أو في الأمة بشكل عام؟ للأسف القدوة الصالحة اليوم قلّما توجد، سواء كانت في البيت أو في المدرسة أو في المجتمع بشكل عام، لم يعد الأب نفسه قدوة صالحة للأولاد، ولم يعد المدرّس قدوة صالحة للتلاميذ، ولم يعد التاجر قدوة صالحة للزبائن. وهكذا فسد المجتمع.
ب- البيئة الصالحة:نحن بحاجة إلى بيئة صالحة تساعد الشباب على أن ينموَ نموّاً حسناً. ولا بدّ أن نكرّس تكوين هذه البيئة الصالحة في كل مكان. علينا أن نسعى إلى جمع شمل الشباب، وإلى ربطهم بالقدوة الصالحة من أمثال مَن ذَكَرْنا من هؤلاء الأبطال الأقوياء الأشدّاء. علينا أن نُكْثِر من ترسيخ هذه المعاني في نفوس أبنائنا وشبابنا؛ حتى يكون لهم قدوة صالحة يقتدون بها.
ـ ما الحواجز التي تقف عائقاً بين الشيخ الداعية وبين الشاب، ولماذا دائماً ما يكون هناك فجوة لا يستطيع الشاب أن يتجاوزها؟
إن من أهم الأمور التي يحتاج إليها الشاب من الشيخ الداعية في أيامنا هو الإنصات لمشكلاته و طموحاته ، إنه يحتاج إلى من يستمع إليه، من يستمع إلى مشكلته كاملة دون أن يلقي عليه أحكاماً مسبقة.. وقد يكمن في الاستماع إلى المشكلة نصف حلها..
هذا الحاجز هو من أول الحواجز التي تقف بين الشيخ الداعية وبين الشاب، ذلك أن الشيخ لا يستمع إلى الشاب، وقد يحكم عليه مسبقاً، إما بسبب شكله أو بسبب أخلاقه، أو أفعاله وتصرفاته، فلا يجد الشاب من يستمع إليه ويدله على الطريق، فيضل أكثر..
إن تعريف الدعوة إلى الله هو: تبليغ الناس جميعاً دعوة الإسلام وهدايتهم إليها قولاً وعملاً في كل زمان ومكان بأسـاليب ووسائل خاصة تتناسب مع المدعوين على مختلف أصنافهم وعصورهم وثقافاتهم..
وأضيف إليها: وأعمارهم، فمن واجب الداعية أن يستخدم الدعوة بصفاتها تماماً، خصوصاً مع الشباب، بأساليب خاصة تتناسب معهم، لأنهم يحتاجون إلى وسائل خاصة لإيصال الفكرة إليهم، تتناسب مع أعمارهم وظروفهم والمرحلة العمرية التي يعيشون بها.
ـ نحن نرى ونسمع الكثير من البرامج والمؤلفات التي تملئ الآذان والأسواق بالنصائح والتوجيه والوعظ، لكن لا نرى لها ذلك الأثر الكبير في نفس الشاب، فقد يدخل إلى مكتبة مثلاً ولا يفكر أن يقتني مثل هذه الكتب، بل سرعان ما يتوجه إلى الكتب الفكرية والتي تتحدث عن العقل وطرق إدارة الذات وما إلى هنالك، فهل هو تقصير من الطرح في الكتاب الإسلامي المعاصر، أم هناك سبب يجب على كل من الشاب والكاتب الإسلامي أن يحذره خشية الوقوع في هذه النفرة؟
إن المشكلة الأساسية في هذا الأمر تكمن في الأساليب المستخدمة في عرض هذه الكتب، فالشاب يحتاج إلى أسلوب معين خاص به، والكاتب الإسلامي عليه أن يستخدم أساليب معاصرة كي يستطيع الدخول إلى عقل وقلب الشاب القارئ.
من أبرز إشكاليات هذه الكتب، عدم التوازن في الخطاب الدعوي المستخدم فيها، فالداعية في عالمنا المعاصر المتعدد الفئات والمنوع في الثقافة، لا يخاطب شريحة واحدة ذات مستوى محدد، أو ذات حاجات محددة من البيان والمعرفة والحضور الذهني....
لذلك فإن التوازن بين جميع جوانب الخطاب يجعل الشريحة المستهدفة أوسع وأعمّ، كما يجعل الاستجابة والتفاعل من قبل السامعين والمخاطبين أكثر وأشمل...
والتوازن في سمات الخطاب يكون بين أمور ثلاثة:
1- العاطفة
2- العلم
3- الفكر
تلك هي الأوتار الثلاثة التي ينبغي أن يعزف عليها الكاتب الداعية ليجذب الشباب، فيكسب قلوبهم عبر العاطفة، ويكسب عقولهم عبر العلم والفكر. فيستطيع بذلك أن يجذبهم إلى قراءة كتبه..
وكذلك يمكن استخدام الوسائل المعاصر لجذب القارئ الشاب، في جماليات الطباعة والشكل، من استخدام الورق المناسب، والغلاف الذي يجذب القارئ، وكافة السبل والوسائل المعاصرة التي تجذب القراء، وبالأخص منهم: الشباب.
ـ شيخ محمد ما السبل التي تجعل الشاب قريباً من الداعية وهو كذلك قريباً من الشاب، فهناك شباب يحبون أن يجتمعوا مع دعاة يشكون إليهم ما بهم، لكن الهيبة التي فرضها هذه الداعية على نفسه تقع عائقاً بينهما؟
كما ذكرنا قبل قليل، من أهم الأمور التي يحتاجها الشاب من الداعية، الإنصات والاستماع إليه.
وهناك بعض الأمور التي يمكن للداعية أن يستخدمها كي يُذهب عنه تلك الرهبة أمام الشباب، ويجذبهم إليه، منها:
1. استخدام لغة الحوار والإقناع عبر دعوته دوماً، فعندما يجد من الشباب نفوراً عليه أن يستخدم لغة الحوار والإقناع، لا لغة الوعظ المجرد التنظيري، لأن هذه اللغة ستبعد الشاب عنه.
2. استخدام أسلوب التشجيع على العمل الجيد، كي يستمد الشباب القوة من هذا التشجيع ويستمر في عمل الخير.
3. أسلوب التوجيه غير المباشر، وخصوصاً إن كان الداعية في مجلس فيه العديد من الشباب، وهو أسلوب كان يتعامل به النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه ومع الناس عندما يصعد منبراً، أو يلقي درساً أو خطبة، أو يوجه موعظة، وكان عليه الصلاة والسلام يعلم أن بين الناس فلاناً قد وقع في مخالفة شرعية ما, فلم يكن عليه الصلاة والسلام ليقول: يا فلان! لم فعلت كذا وكذا؟ أو يا فلان! لا يجوز لك أن تفعل كذا. وإنما كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا؟ دون أن يخصص إنساناً بعينه، ودون أن يُشير إلى فلان بذاته، إنما كان يعمم المسألة بحيث يتوقع كل واحد من المستمعين أنه معنيّ بخطاب النبي عليه الصلاة والسلام، فيسعى إلى إصلاح ذاته وتطوير نفسه والخروج من هذه المشكلة التي أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام.
وبذلك يضمن الداعية أن الشاب لن ينفر منها، لأنه بذلك يقترب من قلبه.
ـ لك باع طويل في مسألة الخطاب الإسلامي المعاصر، ما الوجهة الصحيحة لهذه الكلمة المطاطية التي يستند عليها كثير من الشباب المتأثر بالكتابات والأفكار المسوَّقة لهم، وكيف نوازن بين خطاب معاصر وقواعد لا يمكن التخلي عنها؟
نعم ، إن من أهم الأمور التي يجب أن يركز عليها الخطاب الديني: التوازن..
يعد الخطاب الديني أساساً هاماً ومرتكزاً رئيساً لعملية الإصلاح والتجديد الدائمين للفكر الديني، فهو في الأصل خطاب الرسل عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم، كما أنه خطاب المصلحين لأتباعهم، وقد امتدحه الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: ((وهدوا إلى الطيب من القول، وهدوا إلى صراط العزيز الحميد)) الحج/24.
والخطاب الديني له هدف سام يتمثل في توضيح رسالة الإنسان في هذه الحياة، ووسائل تنفيذها، قال تعالى: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) الذاريات/59. فالله عز وجل أوجد الإنسان في هذه الكون لكي يعمره بالنفع والخير، زراعة وصناعة واختراعاً وابتكاراً وتطويراً ومهارات؛ لأننا في عصر لا تتنافس فيه الأمم باتساع رقعة أراضيها وأملاكها ولا بكثرة عدد سكانها، ولكنها تتنافس بالعلوم والاختراعات والقوة.
لذلك يمكن أن نضع أسساً للخطاب الديني المثمر المتوازن نحددها في النقاط التالية:
1-أن يستمد الخطاب الديني أسلوبه من القرآن الكريم، الذي قال فيه الله سبحانه : ((كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد)). إبراهيم/1.
2- أن يعتمد على ما صح من الأحاديث النبوية الشريفة بتوجيهاتها الحكيمة وأحكامها اللطيفة، وآدابها الرفيعة، وفضائلها العظيمة.
3- أن يواكب الأحداث ويتعايش معها، مؤثراً فيها ومتأثراً بها، وألا يتصادم معها، كما كان يحدث عقب الغزوات التي خاضها المسلمون. مثلاً: بعد غزوة الخندق كانت سورة الأحزاب تتحدث عن موقف المنافقين مواكبة للحدث. وهذا يستدعي الخطاب الديني أن لا ينفك عن الواقع، بل أن يتعايش معه، حتى يصل إلى مرحلة التأثير.
كالاهتمام بواقع الأمة وشعوبها في فلسطين والعراق وغيرهما...
4- أن يراعي أحوال المخاطبين: فالله تعالى أمر بذلك بقوله: ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن...)) النحل/125.
فهذه الآية رسمت الطريق القويم في الدعوة إلى الله وبينت الوسائل التي يلزم اتباعها لهداية النفوس، ومراعاة أحوال الناس وطباعهم وظروف حياتهم وتنوع ثقافتهم، وأن يخاطبوا بالقدر والأسلوب الذي يؤثر في نفوسهم وبالطريقة السليمة التي تؤثر في عقولهم وتستميل عواطفهم.
5-أن يقوم على الحقائق الثابتة بعيداً عن الخرافة والشعوذة والأسطورة. فما بني على الحقائق فإنه يلامس العقول ويقترب منها، وهذا ما اتبعه القرآن الكريم مع المؤمنين؛ إذ كان خطاباً يقينياً راسخاً...
6-إن أهم أركان الخطاب الديني (الوسطية والاعتدال) لأن الشريعة الإسلامية قامت عليهما، قال تعالى: ((وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)) وهذه الوسطية تأمر الناس بالتعاون فيما بينهم حتى ولو كان بينهم اختلاف في العقائد، والمسلم ليس من وظيفته أن يحاسب الناس على معتقداتهم بل تقوم وظيفته على الدعوة إلى الخير والحق والفضيلة وإقامة العدالة، كما لا يجوز إكراه الناس على تغيير عقائدهم، فالعقائد لا إكراه فيها، كما قال الله تعالى : ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)) البقرة/256.
ـ أين الشاب في 2011 من أمته، يعني شبابنا على انفتاح التكنولوجيا بأبوابها التي لا تحصى أُشغل بالكثير منها عن ما يجب القيام به لأمته، ونحن نعلم أن هذه التكنولوجيا ما وضعها الغرب إلا لخدمة مبادئهم ومتطلعاتهم، وصرنا نحن نستخدمها في رفاهيتنا والتسلي بها، فكيف يستثمر جيلنا هذا العلم وهذا الانفتاح فيما يعود له ولأمته بالنفع؟
على الشباب أن يكون معاصراً ومواكباً للعصر، بشرط الالتزام بمبادئ الدين وقواعده وأسسه، وعدم التخلي عن أي منها، فالدين الإسلامي لا يرفض التقدم التكنولوجي والحضاري بشكل مطلق، إنما يرفض سيئاته.. ولنأخذ الإنترنت مثالاً عن هذا الأمر..
الإنترنت سلاح ذو حدين، فهو وسيلة للبحث العلمي والتواصل ونشر المعلومة وتبادل الثقافة، خدم الإنسان كثيراً، واختصر المسافات البعيدة بين الأمم والشعوب، وقدَّم للإنسان خلاصة تجارب الآخرين، وقرَّب البعيد وجمع المتناثر، واستخدمه الشباب والبنات والكبار والصغار على السواء... فهل كان وجوده خيراً أو شراً؟ ولماذا تحول إلى أداة تسلية وترفيه وضياع للأخلاق والفضيلة؟ ولماذا أراده البعض سبباً من أسباب الانحراف السلوكي والخلقي؟
إن التعامل مع الإنترنت وفق المنهج الإسلامي الذي يفرض على الإنسان الالتزام بقواعد الدين، هو أمر جيد جداً، أما عدم الالتزام بتلك القواعد هو الذي يجعل منه سبباً للانحراف.
على الدعاة في أيامنا هذه الاهتمام بتربية الشباب على الرسوخ في العلم الطبيعي وتقنيات العلوم الحديثة، والتفاعل مع وسائل الاتصال وثورة المعلومات وتحويلها إلى منابر عالمية لإيصال أصوات المعتدلين بمختلف اللغات إلى ميادين التفاعل الحضاري والانفتاح على ثقافات العالم باستقلال وإيجابية.
وهذه مسؤولية تتطلب منا الوعي بالمسؤولية الجماعية المتعلّقة بوظيفة التربية وعدم ترك هذه المسؤولية لمن يريد أن يشعل نار الفتن والدمار باسم الدين.
وبهذا يكون الشاب قد تعامل مع هذه الوسائل الحديثة بشكل جاد، مفيد لأمته ومحافظ على أخلاقها وأسسها، دون أن يكون مستهلكاً لها فقط دون أي استفادة منها.
ـ ختاماً فضيلة الشيخ لعلك تنقلنا من واقع المادية التي تسيطر على هذا الجيل إلى واقع الروح التي ينبغي لهم أن يعيشوا فيها، وما الدور التي تشكله الروح في هذا الزمن المادي الجامد؟
إن الله تعالى خلق الإنسان وخلق فيه الروح والقلب والعقل، خلقه ليتوازن بين تلك الأمور كلها.. فعليه أن يحافظ على روحه، كما يحافظ على عقله..
والمادية التي نعيش فيها في زماننا سببها الغلو وعدم الاعتدال في التعامل مع الحياة، فقد أفرط الناس في حبهم لهذه الحياة وغرقوا في الماديات، ونسُوا الروح التي بدونها لا يسمى الإنسان إنساناً..
إن الروح تشكل أساساً مهما كي يستطيع الإنسان الاستمرار في هذه الحياة، وكي يستطيع الإنسان الحفاظ على كل عناصره عليه أن يلتزم الوسطية، التي دعا إليها القرآن الكريم، يقول الله تعالى: ((وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا)) [القصص:77]، فالإسلام يدعو الإنسان إلى التعامل مع أموره في الدنيا، والحفاظ على الآخرة..
وهكذا المادة والروح، يتعامل مع المادة في الدنيا، دون أن يغرق فيها وينسى روحه..
و ما أحوجنا بين الحين والآخر إلى كلمات رقيقة ترق بها قلوبنا، وتدمع عيوننا ويُذهِب الله بها قسوة قلوبنا، لاسيما ونحن نعيش الآن عصراً طغت فيه الماديات والشهوات، وانحرف فيه كثير من الناس عن عبادة رب الأرض والسماوات، فقَسَتْ فيه القلوب، وتراكمت فيه الذنوب على الذنوب، وقل فيه الخوف من علام الغيوب..
ـ نصائح للشاب تكون زاداً له في الطريق؟
التوازن والوسطية في الأمور.. هي أهم الأمور التي ينبغي على الشاب أن يلتزم بها..
علينا جميعاً أن نكون ملتزمين لأحكام وقواعد ديننا الإسلامي الحنيف، والذي يأمرنا بالوسطية وعدم الغلو في شيء، وذلك يكون عبر مواكبة العصر، والحفاظ على الأخلاق، والحفاظ على قواعد الدين، وبذلك يضمن الشاب أن يكون سائراً على الطريق الصحيح، في الدنيا والآخرة... و أشكر إدارة موقع ( حياة أمة ) على عنايتهم بموضوع الشباب والحمد لله رب العالمين...
وفي نهاية هذا الحوار الشيق الذي أمتعنا به الداعية الشيخ محمد خير الطرشان لا يسعنا إلا أن نقدم له أطيب الشكر والعرفان على ما بذله ويبذله من خدمة وجهد في سبيل الدعوة وما قدمه لشباب حياة أمة من النصائح التي خرجت من داعية واعٍ يضع الأمور بأماكنها الصحيحة، فلا تضاد ولا تناحر مع الأدلة أو العقل، وهذا الذي يجب على الدعاة والشباب السير فيه حتى ننشيء جيلا مواكبا عصره غير متخلٍ عن مبادئه وقيمه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
5737 |
|
|
تاريخ
النشر: 13/03/2011 |
|
|
|
|
|
|