حوار خاص مع الشيخ محمد خير الطرشان ( 1 )
بقلم : علاء الدين آل رشي
القسم الأول من الحوار
في حوار خاص مع الشيخ الأستاذ محمد خير الطرشان عرض لنموذج طليعي لمثقف متدين معتدل وخطيب ومدرس في جامعات ومعاهد شرعية بالإضافة إلى حضوره المتألق في الإذاعات والقنوات الفضائية لم يتردد من عرض وجهة نظر تحاول السباحة إلى الجوهر الإنساني والغوص والالتقاط الذكي لدقائق الحياة الروحية...
*الأستاذ محمد: أليست راحة البال مطلب جميع الناس؟!
هل تقصد براحة البال السعادة؟!
*نعم.
إننا جميعاً نتطلع إلى السعادة ونبحث عنها.
لكن، هل السعادة هدف في ذاته؟!
لا، غير صحيح فعندما تتحول السعادة إلى هدف، تصبح لذة خاوية عن معنى حقيقي، ومن ثم تتحول إلى قلق واضطراب، فالسعادة الدائمة رقابة فكرية، واستقامة شعورية، وممانعة إرادة، وجماع ذلك كله (قد أفلح من زكاها) كل إنسان وضع هدفاً ويؤمن بفكرة وعمل على تحقيقها فإنه سيكون سعيداً لأنه عرف ذاته واستقامت حياته نحو ما يؤكد ذاته...
*هل من توضيح ؟!
بالتأكيد، يقول بعض علماء التربية، (أفكارك تصنع حياتك) ومن هنا أقول:
1- إن السعادة تكمن في أن تكون ذاتك...
2- أن تصنع قراراتك بنفسك.
3- أن تعمل ما تريد لأنك تريده...
4- أن تعيش حياتك مستمتعاً بكل لحظة فيها.
السعادة تكمن في تحقيقك استقلاليتك عن الآخرين (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وسماحك للآخرين أن يستمتعوا بحرياتهم (لست عليهم بمصيطر)، أن تبحث عن الأفضل في نفسك وفي العالم من حولك. و( قل اعملوا) (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)
*وماذا لو لم ينجح الإنسان بذلك؟
يعني أنك ستسير في الاتجاه المضاد:
1- أن تتشبث بفكرة أن الآخرين ينبغي أن يبدوا غاية اهتمامهم بك.؟
2- أن تلقي باللائمة على الآخرين وتتحكم فيهم عندما تسوء الأمور.
3- ألاّ تكون مخلصاً، وتنهمك - عبثاً – في العلاقات والأعمال بدلاً من الالتزام.
4- أن تثير حنق الآخرين بدلاً من الاستجابة.
5- أن تحيا على هامش حياة الآخرين، لا في قلب أحداث حياتك الخاصة.
إنك في الواقع ستعيش حياة غير سعيدة، عندما لا تحيا حياتك على سجيتها، حيث ينتابك إحساس بأن حياتك لا غاية منها، ولا معنى لها، وأن معناها الحقيقي يفقد مضمونه عندما تتفقده من قرب وبدقة.
هل تعرف لماذا لأنك باختصار لم تضع بوصلة لحياتك!!
*ماذا تعني بالبوصلة؟!
أي خطة طريق للوصول إلى أهدافك، رتب أولوياتك.
أستاذ علاء أنا مازلت أؤكد على أن مشكلة المجتمع العربي أنه غيّب عن ذهنه الفروض الخمسة المعاصرة:
(المعرفة العميقة، الروح الدقيقة، التخطيط الواعي، التنظيم الصحيح، والإرادة الفاعلة.).
*على ذكر النفس الرضية هل الانتصار للذات الرضية الهانئة سبب إصدارك (أنر قلبك بحب ربك)؟!
هذا صحيح، فما أؤمن به أن المدد الإلهي إذا سُكب على القلب أنار الحياة...
إن لديك القدرة أن تتغلب على كل العوائق تقريباً لو استطعت أن تواجه الحياة بشكل مباشر وأنت تستذكر معية الله سبحانه وتعالى وعونه.
أنت كإنسان يريد أن يحيى حياة هانئة، سيتحتم عليك أن تجتاز الكثير من العوائق تصور لو دعمك الله وصدقت معه، وتصور لو أن الله رفع عن إنسان حمايته.
صالحْ ربك تصفُ حياتك...
الأمراض النفسية هي نتيجة حتمية لفقدان الارتباط الصحيح بعون الله...
شكل الروح يضمر والنتائج قلق واضطراب.
أخي الكريم لا تشيخُ روح مرتبطة بالله سبحانه وتعالى ولا تتعب نفس تبني جدرانها على ذكر الله.
*هل ذكر الله حمْل مسبحة أو تلفظ لساني، أم معنى حياتي؟
لا.. أقصد بذلك ما عناه الدكتور نبيل طعمة في بحثه المهم جدل التصوف بأنه (الزهد الفكري الإنتاجي الإنجابي)إنه الفكر الذي يتأمّل الموجود، ويتّحد معه ضمن حركة الفعل وردِّ الفعل.
لا علاقة له بالتقوقع أو الانعزال أو اللجوء إلى الصوامع ورؤوس الجبال، ولا لبس الصوف ولا هزّ الرؤوس المنحصرة تحت الطرابيش التي تحوّل أشخاصها إلى دراويش، أوالعمامات البيضاء أو الخضراء أو السوداء المذهبة المفضضة،لأن العقل أخضر اللون وهو لون الطبيعة، يحبُّ موجوداتها، يتأملها يتّحد مع نظام خلقها، كي يصنع من خلالها قادماً جديداً إلى الحياة بعين البصيرة المتحدة، بعين البصر.. إن الذكر الحقيقي ما تواطأ عليه القلب والعقل وترجمته الإرادة...
*ماذا تعني بهذا؟!
سأعطيك مثلاً:
الذاكر الحقيقي يحمل على عاتقه أخاه الإنسان.. أن تميط عن طريق المحتاج العوائق.. ومعاملة الناس من أصدقاء وأهل وغير ذلك بصدق ووفاء لا تقل أهمية عن الصلاة والصيام بل هي دليل واقعي على صحة تحقق المسلم بالعبادة، وقد تعلمت من ديني قواعد كثيرة ومن حدودها:
1- لا تتطاول على من فوقك فيستخف بك مَن دونك...
2- لا تفرح بسقوط غيرك فلا تدري ما تضمر لك الأيام...
3- كن وسطياً وحاذر التطرف ولتجعل نهجك خير الأمور، فقد قيل: خير الأمور الوسط. وقيل: تكمن الفضيلة في الوسط...
4- كن مرآة أخيك فقد دخل بعضهم على إبراهيم بن صالح فقال له: عظني. فقال له الولي: بلغني رحمك الله أن أعمال الأحياء تُعرض على أقاربهم الموتى، فانظر ماذا تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عملك. فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه.
5- معاملة الصديق من الأمور التي هي من الأهمية بمكان، ولذا قيل: عاتب صديقك بالإحسان إليه واردد شرّه بالإنعام عليه، وثمة من يكرر: "اتق شر من أحسنت إليه" ولم يدر أن لها تكملة تتم معناها وتظهره بالصورة المثلى، والعبارة كاملة هي: "اتق شرّ من أحسنت إليه بدوام الإحسان إليه" وهناك من لا يسمع لصديقه نصحاً ولا عظة، فليحذر كلٌ منا أن يدخل ضمن من قال فيهم الشاعر:
لَقَد أَسمَعت لَو نادَيت حَياً وَلَكن لا حَياةَ لِمَن تُنادي
وَلَو نار نفخت بِها أَضاءَت وَلَكن أَنتَ تَنفخ في رَماد
عليك أن تكون أنت فعلاً لا ردة فعل !!فهذا قمة السعادة
*ماذا تقصد بذلك؟
أي لا تجعل الآخرين يتحكمون بأخلاقك..
لا يخرجك بعض المحيطين بك عما يلي أولاً يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يقاتلونك، ثم تفوز أنت.
*أفوز؟
نعم (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)
لا تجعل الآخرين يتحكمون بك...وكن متفائلاً !
*على ذكر التفاؤل كيف تنظر إلى ثقافة التفاؤل وزرعها ؟!
الناس صنفان، متفائلٌ ومتشائمٌ، المتشائم يرى الصعوبة في كلّ فرصة, أما المتفائل فيرى الفرصة في كلّ صعوبة. وبعض الناس لهم المتعة شيء آخر؛ فهم يرون أن هناك نوعاً من المتعة وهو أن تفعل المستحيل، وبين البشر من هو موهوب ومن هو عبقري، فمن هذا ومن ذاك؟ الموهوب يفعل ما يستطيع فعله، العبقري يفعل ما يجب فعله.
وقد قال أحد الناجحين: يومياً أستيقظ وأبحث في قائمة فوربس لأغنياء أمريكا. إذا لم أجد اسمي، أذهب للعمل. ولكي تكون لك المكانة بين الجموع فإن الأمر الأساسي هو أن تحسن عملك وتتقنه، فحاول المستحيل لكي تحسّن عملك، وهناك ممن تصاحبهم أناس يجعلون نصب أعينهم الحد من طموحاتك؛ فابق بعيداً عن الناس الذين يحاولون أن يستهينوا بطموحاتك. ولم يفعلوا ذلك؟ لأنهم صغار النفوس، فالصغيرون يفعلون ذلك دائماً، لكنّ العظام فعلاً يجعلونك تشعر أنك أيضاً يمكن أن تصبح عظيماً، فاختر مَن تخالط
*هل من أمثلة عن العوائق الواجب تجاوزها؟!
امح الاعتقاد السخيف بأن هنالك من سيدخل حياتك كي يحدث لك كل التغييرات اللازمة.
لا تعتمد على أي شخص قد يأتي لينقذك، ويمنحك الدفعة الكبرى لكي تنطلق، ويهزم أعداءك، ويناصرك، ويمنحك الدعم اللازم، ويدرك قيمتك، ويفتح لك أبواب الحياة.
إنك الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يلعب دور المنقذ الذي سوف يحرر حياتك من قيودها، وإلا فسوف تظل حياتك ترسف في أغلالها.
ثق بربك ومن ثم بنفسك وأعلم:
إن السعادة منك لا تأتي من خلف الحدود.
هي بنت عقلك بنت قلبك ليس تشرى بالنقود
*هل من أطر عملية لنقل كلامك إلى واقع الحياة ؟!!
إن تحقيق السعادة يتطلب منك أن تخوض– دائماً – بعض المخاطر التي تكون صغيرة، ولكنها هامة في ذات الوقت.
إنك في حاجة لأن تجعل الآخرين يقدرونك حق قدرك. تجنب المناورات، والمجادلات التي لا هدف لها، والمواجهات.
إنك في حاجة لأن تتفوه بالحقيقة وتصحح أكاذيبك.
إنك في حاجة للتوقف عن تمثيل دور الضحية حتى يمكنك الاستمتاع بنجاحك دون شعور بالذنب.
لكي تجد السعادة، فأنت بحاجة لأن تكون ذاتك لا أن تتظاهر بما ليس فيك.
إنك في حاجة لأن تتحرر من توقعاتك الناتجة عن معتقداتك عما يجب أن تكون عليه الحياة حتى لا تحكم على الآخرين –على غير أساس من الواقع - بأن لديهم قصوراً أو أنانية.
إنك بحاجة لأن تكف عن الحياة داخل ذكريات الماضي.
إنك بحاجة لأن تتعلم الصفح وغض الطرف كي تواصل مشوار الحياة. إنك بحاجة لان تكون مستمعاً جيداً حتى تستخلص أفضل ما لدى الآخرين من خبرة. إنك بحاجة لان تأخذ نفسك على محمل الجد، ولكن ليس لدرجة أن تلزم نفسك أن تكون كاملاً طوال الوقت، أو ألا تستطيع التعرف على أخطائك وجوانب ضعفك.
إنك بحاجة لأن تدرك أنك في حالة نمو متواصل لذا فإنه لزاماً عليك دائماً إدراك الحلول الوسط التي تعوق تقدمك في الحياة، وكذلك العلاقات التي تشعر أنك تقدم فيها الكثير من التنازلات.
إنك في حاجة لهدف يوجه حياتك.
إنك في حاجة لأن تعمل لتحقيق هذا الهدف، وأن تخلق الحياة التي تريدها، لا أن تحيا على أمل الحرية الأجوف.
إن تحقيق السعادة يتطلب العمل، عمل الحياة. وطالما أنك ستعيش حياتك الخاصة بك أنت، فلعله يجدر بك أن تعيشها بأفضل طريقة ممكنة.
وإلى كل من يبحث عن السعادة أقول: القناعة منتهى السعادة ؛ ذلك أن الغنى غنى النفس، قيل: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس.
*هل أنت متفائل؟!
أخي تحرَّ الأمل واطرد التشاؤم، واحرص على أن تكون نفسك جميلة، وأن ترى من زاوية كلها بشرى وظنون خيِّرة، فلن تجد غير هذا ؛ فقد قيل:
أيهذا الشاكي وما بك داء********* كيف تغدو إذا غدوت عليلا
إن شر النفوس في الأرض نفس**** تتوقى قبل الرحيل الرحيلا
وترى الشوك في الورود وتعمى***** أن ترى فوقها الندى إكليلا
والذي نفسه بغير جمالٍ********** لا يرى في الكون شيئاً جميلا
أيهذا الشاكي وما بك داء********* كن جميلا ترى الوجود جميلا
يتبع
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
4968 |
|
|
تاريخ
النشر: 09/06/2011 |
|
|
|
|
|
|