::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مساحة حرة

 

 

الشباب ثروة (2)

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

الشباب مرحلة هامة وخصبة من مراحل عمر الإنسان، ولهذا يجب أن نُعنى بها، فمن المسؤول عنهم؟ هل نحمّل المسؤولية للأسرة (الآباء والأمهات)؟ أو للإعلام؟ أو للثقافة؟ أو للصحافة؟ أو للمسرح؟ أو للسينما؟ أو للتلفزيون؟؟ لا شك أن المسؤولية هي مسؤولية الجميع على الإطلاق. هذه حقيقة وعلينا أن نعترف بها جميعاً، كلّنا مسؤولون، ابتداءً من الآباء والأمهات إلى أعلى المستويات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها". صحيح البخاري.
هي مسؤولية الجميع، لا يصح أبداً أن نستثني أحداً من حَمْلها.
        هي مسؤولية الشاب نفسه أولاً ما دام بالغاً عاقلاً راشداً مكلّفاً، ألم يقل الله سبحانه وتعالى:[]كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ[] سورة المدثر (38). فهو مرهون بعمله، ومحاسَب بهذا العمل الذي يؤديه، إن خيراً يُثابُ عليه، وإن شراً يُعاقَب، أو نفوّض هذا الأمر لله سبحانه وتعالى لعله يتوب على الخلق أجمعين. اللهم! إنا نسألك توبة صادقة تقبلها منا يا رب العالمين.
ثم هي مسؤولية الأسرة (الأب والأم) قبل أن يشبّ وبعد أن يصبح شاباً، لا بد من الرعاية والتوجيه عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها". صحيح البخاري. فلا ينبغي أن يكون كل هَمّ الآباء أن يوفّروا لأبنائهم الطعام والشراب مما لذَّ وطاب، ويوفروا لهم أحسن الثياب، و السيارات الفاخرة، والمساكن العامرة، وأن يملؤوا جيوبهم بالنقود ينفقونها حيث شاؤوا وكيف شاؤوا دونما مراقبة أو محاسبة أو متابعة.
كثير من الآباء يظن أنه بهذا العمل قد برّ ابنه وأحسن إليه، إذ يهتم بأمور دنياه ولا يسأل عن دينه، لا يسأل عن صلاته، ولا عن أخلاقه، ولا عن صحبته وأصدقائه، أين يسهر ويقيم، متى يعود إلى البيت، أصلى الفجر أم لم يُصَلِّ، إن لم يعطِ الأب ولده مالاً والابن ينفق يميناً وشمالاً فمن أين يأتي بهذه الأموال؟ أمصدرها حلالٌ أم حرام؟ أهي من مصدر رزق تَعِبَ فيه، أم أنه جناها نتيجة تلاعُب أو حِيَل أو أفاعيل لا ترضي الله سبحانه وتعالى؟؟ فعلينا أن نحاسب أبناءنا ونسألهم عن مصدر أموالهم إن لم نقدّم لهم النفقة، علينا أن نحاسبهم على الصلاة إن قصّروا فيها، علينا أن نتابعهم في واجبهم المدرسي. فعندما يكون الولد تحت عين المراقبة ويتابعه أبواه في كل أمره، فإنهما بذلك يحقّقان مسؤوليتهما الكاملة عن أولادهما.
كذلك الأم، يجب أن تراقب بناتهافي المدرسة، وتراقبهن مع صديقاتهن واتصالاتهن الهاتفية، تراقبها في ذهابها وعودتها، من كلّمها، من وقف في وجهها، من اعترض طريقها ولماذا فعلوا ذلك، ينبغي أن تكون الأم صديقة ابنتها والمسؤولة عنها، ومتابعة لكل خطوة من خطوات حياتها,.
إذاً على الأب المسؤول عن الأسرة أن يحاسب أولاده ويراقبهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك إذ يقول:[]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...[] سورة التحريم (6).
أيها الأب! أيتها الأم! أنتما مسؤولان عن أبنائكما وبناتكما، لا يكفي أن توفّرَا لهم المطالب المادية، ولا يكفي أن تهتمّا بالواجبات الأسرية، بعض الأبناء والبنات اليوم لهم متطلّبات خاصة، بعضها أساسي وبعضها ترفيهي، فيسعى الأب والأم جاهدَين لتحقيق هذه المطالب لأبنائهم دون متابعتهم ومحاسبتهم عند التقصير.
أيها الأب! أيسرّك أن يتعلم ابنك ويحصل على أعلى الشهادات ويتسلم أرقى المناصب، ثم يكون مصيره في النهاية إلى النار وبئس المصير؟! هل يرضى أحد ذلك لولده؟! فالأب إن كان قد ضيّع ولده، فلم يسأل عن دينه، ولا عن عقيدته، ولا عن صلاته وعبادته، ولا عن أخلاقه وسلوكه، فإنه - ولا شك - أهملَه وكأنه عبّدَ له الطريق وسهّلها إلى النار وبئس المصير.
واجبنا في ملء الفراغ الذي يعيشه شبابنا بما ينفعهم وينفع أمتهم:
علينا أن ننظر إلى هذه المسألة بجدّيّة، فلا ننظر إلى المطالب المادية على أنها هي وحدها المطلوب توفيرها، بل قد يكون في هذا التوفير خطر على أبنائنا، قد يكون في إعطائهم ما يشاؤون من نفقات وأموال ولباس وتفاخر وتكاثر، وهم لا يُحسِنون التصرف فيما نعطيهم، قد يكون في ذلك الخطر؛ كل الخطر، والشر؛ كل الشر، كما قال الشاعر أبو العتاهية في أرجوزته المشهورة:
إنّ الشَّبابَ والفراغَ والجِدى[1]      مَفسـدةٌ للمرءِ أيُّ مفسدة
الشباب يعني القوة والنماء والحيوية، والفراغ يعني أن يعيش الشباب فراغاً في الوقت، وفراغاً في النفس، وفراغاً في المسؤولية، وفراغاً في الشعور بتكوين الذات، شعور تكوين الذات لا يوجد عند كثير من الشباب، فلا يشعر أنه يكوّن ذاته ويبني نفسه للمستقل ويُعِدّها إعداداً جيداً. نرى كثيراً من الشباب اليوم في سن القوة والعطاء لا يعرف ماذا يريد في هذه الحياة، فهو ضائع تائه، يسعى وراء الموضة والملذّات الشخصية، ولا يحدد لنفسه هدفاً في عمل مادي أو تجاري، أو أخلاقي أو سلوكي، ومن باب أولى يكون قد ضيّع دينه وأمانته التي حمّله الله تعالى إيّاها. فاجتماع الهمة والشباب مع الفراغ والمال، مع حرية التصرف دونما محاسبة تنتج الفساد، والانحلال الأخلاقي، والميوعة، والتّخلي عن العلم والثقافة، والجهل، والفوضى في المجتمع، وتنتج كثيراً وكثيراً من الأمراض التي يعاني منها الناس في حياتهم اليومية.
لذلك من المهم جداً أن نملأ فراغ الشباب، ولا ندع أوقاتهم ولا نفوسهم ولا اهتماماتهم فارغة، علينا أن نعمرها بالخير ونشغلها بأنشطة متعددة، سواء كانت رياضية أو ثقافية أو ترويحية للنفس أو أنشطة دينية. هؤلاء الشباب من أبناء ديننا وجلدتنا وعروبتنا، وعلينا أن نستثمر طاقتهم في عمل دعوي، أو عمل ثقافي، أو عمل أخلاقي ينعكس خيره على المجتمع كله.
علينا أن نربط هؤلاء الشباب بأهداف كبيرة يعيشون بها ولها، ويحيَون لأجلها، ونبدع لهم مشاريع يحملونها ويقاتلون من أجلها، ويسعون بكل ما أوتوا من قوة أن يحققوا هذه المشاريع، كأن يكون لهم أندية ثقافية، ومجال في تطوير ذاتهم، ومشروع في التفوق، سواء كان دراسياً أو علمياً أو مادياً إنتاجياً، المهم أن يكون لهؤلاء الشباب همة نستثمرها في مصلحة الأمة، ورحم الله من قال: "ربّ همَّةٍ أحيتْ أمّة". فلربما تحيي حركة الشباب الأمة من سُباتها ونومها، ونحن نعلم أنه من خصائص هذه الأمة أنها تنام لكنها لا تموت. تنام وترقد وقد يطول نومها، لكنها لا تموت، فيها إحساسٌ نابض، وقلب حي، وإيمان متوقد دائم. ولا بد أن تبقى الأمة هكذا تولّد لنا الشباب القوي المنتج الذي يستثمر أوقاته كلها فيما ينفع أمته ووطنه


الجدى:وفرة المال.

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3989

 تاريخ النشر: 28/08/2013

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 90

: - عدد زوار اليوم

7807960

: - عدد الزوار الكلي
[ 25 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan