اللسان سلاح ذو حدين
بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان
يُروى عن لقمان الحكيم أن سيده أمره أن يذبح شاةً ويأتيه بأطيب عضو فيها، فذهب لقمان، وذبح الشاة، وأتى سيده بلسانها، وقال له: يا سيدي! هذا أطيب عضوٍ في الشاة. وبعد مدة يسيرة أمره أن يذبح شاة أخرى، وقال له: ائتني بأخبث عضو فيها. فذبحا وجاء باللسان أيضاً، وقال له: يا سيدي! هذا أخبث عضو في الشاة. فقال له: عجبت لأمرك! قلت لك ائتني بأطيب شيء في الشاة فأتيتني باللسان، وقلت لك ائتني بأخبث شيء في الشاة فأتيتني باللسان، ما قصتك؟! فقال له: "اللسان سلاح ذو حدين؛ يُستعمل في الخير، ويستعمل في الشر". هذه الحكمة التي نطق بها لقمان الحكيم هي واقع كما نلاحظ في كثير من جوانب حياتنا.
أعضاء الإنسان كلها بخير ما دام اللسان بخير:
أعضاء الإنسان كلها تخشى بأس اللسان وسطوته، ومنها الرأس الذي يستقر اللسان ضمنه، فقد ورد فيما ورد من الأخبار أن اللسان صبّحَ يوماً على الرأس وقال له: كيف أصبحت؟ فأجابه: أنا بخير إن سلمت منك. قال ولمَ؟ قال: لأنك تقول قولك وتختبئ، ويأتي الضرب عليّ.
جاء في الحديث عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفّر اللسان فتقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا". سنن الترمذي. وكأن اللسان هو الذي يقود الإنسان ويحركه نحو الخير أو الشر.
الكذب إحدى آفات اللسان الخطيرة:
من أعظم ما ينبغي أن نحفظ ألسنتنا عنه الكذب، هذه الفاحشة الخطيرة والجريمة الكبيرة التي يرتكبها الإنسان بيسر وسهولة. ليس هناك أعظم من الكذب في حياة الإنسان المسلم، لهذا نجد الأحاديث التي نهتنا عن الكذب وأمرتنا بالصدق كثيرة ومنتشرة في كتب السنة والصحاح، من أبرزها حديث رواه الإمام مسلم عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتبَ عند الله صدّيقا، وإياكم الكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتبَ عند الله كذّابا". صحيح مسلم.
أ- ما هو الكذب؟
الكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه، فلو أنك قلت لولدك: تعالَ أُعطِك هذا الشيء، ثم لم تعطِه إياه سُجِّلتْ عليك كذبة.
ب- صفات الكذاب:
ورد عن الكذاب أنه جبان، له وجهان، لا يجرؤ على الصدق، لذلك صُنِّف في عِداد المنافقين؛ لأن المنافق يُظهِر خلاف ما يُبطِن. ولا تزول صفة النفاق عن الكذاب أبداً إلا إذا صدق في كلامه وعُرفَ بالصدق. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خَلَّةٌ منهنّ كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها؛ إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر". صحيح مسلم. هذه الصفات لا تليق بالمسلم أبداً، وتخرج عن نطاق الأدب الإسلامي العظيم الذي ينبغي أن يتحلى به كل عباد الله المؤمنين. فالكذب ذنب كبير، من تخلّق به كان مُجانِباً للإيمان، بعيداً عن أخلاق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التي عُرِفوا بها وانتشرت عنهم.
جـ- المؤمن لا يكذب:
سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً يا رسول الله؟ قال: "نعم". قالوا: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: "نعم". قالوا: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: "لا". موطَّأ الإمام مالك.
ورد في الحديث الشريف: "إذا كذب العبد تباعد عنه المَلَك مِيلاً من نَتَنِ ما جاء به". سنن الترمذي. نحن لا نرى الملائكة، فهي أرواح لطيفة، والإنسان أجسام كثيفة، ولو كنا نرى الملك لرأينا كيف يبتعد عن الإنسان حينما يكذب.
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
8430 |
|
|
تاريخ
النشر: 01/02/2014 |
|
|
|
|
|
|