wwww.risalaty.net


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان

(1326 – 1398هـ = 1908 – 1978م )

ولادته ونشأته :
هو العلامة الشيخ محمد حسن بن مرزوق بن عرابي حبنكة الشهير بالميداني ، ولد بمحلة الجزماتية في حي الميدان بدمشق ، سنة 1326هـ الموافق 1908م لأسرة قدمت بادية مدينة حماة .
نشأ الشيخ في بيت دين وفضل وخُلق وورع ، فيه الصلاة والصوم والقيام في السَّحَر .
كان والده الشيخ الحاج مرزوق رحمه الله من التقى والورع بمكان ، تظهر معاني الرجولة على وجهه ، قليل الكلام ومخالطة الناس ، يؤدي واجبه بصمت ويعمل الخير في السر ، وكان مثال المؤمن الأمين الصادق الوقور .
ولم تكن أمه أقلَّ صلاحاً من أبيه بل كانت خير أم عرفت حق ربها وبعلها وولدها ، وأولت الشيخ عناية خاصة في سلوكه .
دفعه أبواه إلى ( الكُتاب ) ليدرس فيه عند الشيخ سليم اللَّبني .
 
صفاته وأخلاقه ومزاياه :
كان الشيخ رحمه الله ذا حافظة وذكاء ، يدرك ولا تند عنه الخطرة ، وكان ذا دأب عجيب ، فلربما سهر ليلة بكاملها يطالع كتاباً كاملاً أو ينظر في بحث ما .
وكان ذا فراسة عجيبة فيجتمع بالرجل لم يلقه من قبل فيكون عنه فكرة كاملة في جلسة واحدة ، فلا يكاد الواقع يعدو رأيه فيه .
كان رحمه الله ذا لسان فصيح وكلام بليغ ولغة سليمة وأدب رفيع وتراكيب لفظية مميزة ، جمع الله له بين عمق التفكير وسهولة التعبير ، فاستجمع البلاغة من مورديها ، يصرف القول كما يريد ، حتى ليخيل إليك أنه يغرف من بحر .
كان رحمه الله مهيباً وقوراً ، كساه الله الجلال والجمال معاً ، فكان العيون تحبه والقلوب تجله ، يملك العقول بجواهر لفظه ويوقظ القلوب بزواجر وعظه ، عفيف اليد قنوع النفس يرضى بالقليل .
كان كريماً معطاءً منفقاً للعلم شغوقاً بالتدريس وبذل العلم ، همُّه أن يكوِّن شخصية الطالب المسلم أكثر من أن يستحفظ الطالب كتاباً ، وذلك بُعد منه في النظر وإدراك للأهم .
كان رحمه الله لا يخاف في الله لومة لائم ، ترفعت نفسه عن متاع الدنيا وزخارفها ، فلم يدخر منها شيئاً لنفسه .
عرف للجميع حقوقهم ، وأنزل الناس منازلهم ، يدخل علي الطفل فيؤانسه ، والشاب فيعلمه ، والشيخ فيؤاخيه .
كان رحمه الله يسلك سبيل السلف الصالح في عبادته ولباسه ومعاملته مع الناس وفي زهده في الدنيا ، كثير البكاء من خشية الله ، شديد التواضع .
وكان الشيخ رحمه الله صبوراً يستقبل أقدار الحق برضاً ويواجه الأحداث بصبر وثبات ورباطة جأش .
 
سيرته العلمية :
قراءته على الشيوخ :
1-الشيخ بدر الدين الحسني ، قرأ عليه كتاب الشهاب الخفاجي على البيضاوي مدة من الزمن ، وكان لشخصية الشيخ بدر الدين تأثير كبير في حياة الشيخ حسن من حيث السلوك والعلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
2-الشيخ على الدقر ، وقد لازمه الشيخ حسن وحضر دروسه الوعظية والإرشادية ، وكان الشيخ الدقر يحب فيه روح الإخلاص ، وأعطاه الطريقة التيجانية ، وسمح له في حياته بالتدريس ، وكان يعتمد عليه كثيراً ولاسيما الإشراف على مدارس الجمعية الغراء .
3-الشيخ عبد القادر الاسكندراني ، الفقيه العالم ، درس عليه الشيخ حسن علوماً شتى ، وكان الشيخ عبد القادر يشترط على الطالب أن يقرأ الدرس قبل حضوره اثنتي عشرة مرة ، وكان الشيخ حسن يفعل ذلك .
4-الشيخ أمين سويد ، قرأ عليه الأصول والتصوف والتفسير .
5-الشيخ سعيد تلبيسي ، قرأ عليه المنطق والفلسفة ، وكان يذهب إليه في حارة الأكراد ( ركن الدين ) .
6-الشيخ عطاء الله الكسم ، قرأ عليه حاشية ابن عابدين .
7-الشيخ أحمد العطار ، قرأ عليه شرح شذور الذهب في جامع الأحمدية في سوق الحميدية.
8-الشيخ محمود العطار ، كانت أغلب دراسته عليه وأكثر الانتفاع به ، كان يذهب إليه في قرية كفرسوسة ماشياً على قدميه أو راكباً على الدراجة .
وغيرهم كثير من العلماء الأجلاء .
 
الشيخ حسن ومعهد التوجيه الإسلامي :
لم يكتف الشيخ رحمه الله بما كان يقدمه للناس من دروس عامة وخاصة ومن خُطَبٍ في الأعياد والجمع والأفراح وغيرها بل صرف همه وحرص كل الحرص على تأسيس معهد يتمُّ فيه تدريس علوم العربية والشريعة الإسلامية ، ومنهلاً ينهل منه طلاب العلم الشريف فقام بتعليم بعض طربه الذين كانوا يلازمونه دائماً وأسسهم تأسيساً علمياً دقيقاً حتى يساعدوه في إقامة هذا العمل الخيري الذي كون مركزاً للدعوة إلى الله في حي الميدان خاصة وبلاد المسلمين عامةً .
وكانت بداية هذا المعهد في جامع منجك في حي الميدان عبارة عن حلقات علمية تتم فيه ، قسَّم فيها الشيخ طلابه الذين كانوا يساعدونه في ذلك ، وكان هو المشرف العام عليهم ، ومن جملة الذي ساعدوه في الحلقة أخوه الشيخ صادق حبنكة والشيخ محمد الفرَّا –رحمه الله- والشيخ كريِّم راجح والشيخ حسين خطاب رحمه الله والدكتور مصطفى الخن وغيرهم.
وقد ذكر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه (هذا والدي): أن والده الشيخ مُلاَّ عندما أخذه للدراسة في جامع منجك على يد الشيخ حسن كان المعهد في بدايته ، وكان آنذاك مكوَّناً من بضعة عشر طالباً ، وكانوا متعاونين في الطلب ، وكان الجميع يتلقون سلسلة دروس متوالية صباح كل يوم على يد الشيخ رحمه الله ، وكانت أعمارهم بين العشرين والثلاثين ، وكانوا منقطعين عن بيوتهم متفرغين لطلب العلم ، وكانت إقامتهم الدائمة في غرفة تابعةٍ لجامع منجك إذ لم يكن اسم المعهد قد وُلد بعد .
ثم أصبح طلاب العلم يلتحقون بهذا المعهد حتى صار عددهم يقارب خمسمائة طالب ما بين عرب وعجم ، وكان بعضهم من الأتراك ، وكان الشيخ حسن يحثهم على الصبر وعلى تحمل مشاقِّ الغربة ومشاقِّ طلب العلم وكان الشيخ يوليهم عناية خاصةً عملاً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلاب العلم وكان يُعِدُّهم لمقاومة الكفر والعلمانية في بلادهم .
كان المعهد مُلحقاً في البداية بجامع منجك ، ثم أصبح له بناءٌ مستقلٌّ في غربي الميدان ، وقد تخرج به عدد كبير من مختلف الجنسيات يدعون إلى الله عزوجل في شتى البلاد ، ولكن الله لم يشأ لهذا المعهد أن يستمر حيث تحول فيما بعد إلى مدرسة شرعية لا تزال قائمةً حتى الآن .