wwww.risalaty.net


كم عمرك؟؟؟


بقلم : بتول : B

 

مر رجل أثناء سفره في بلدة، وأثناء تجواله فيها مرّ على مقبرة، والشيء الغريب الذي لفت انتباهه أنه مكتوب على شواهد تلك المقبرة أعمار أصحابها، فمنهم عمره سنة، وآخر عمره خمس سنوات، وثالث سنة ونصف، ورابع سبع سنوات وثلاثة أشهر، وووو...... فاستفسر عن ذلك فقال: أكلّ موتاكم أطفال؟ فقيل له: هؤلاء ليسوا بأطفال، لكنهم أناس بأعمار مختلفة، أما هذه الأعمار فهي - كما أوصوا - أعمارهم الإيمانية منذ أن عرفوا خالقهم، وذاقوا من حلاوة قربه، ولذة مناجاته، وما دون هذا العمر لا يعتبرونه من حياتهم؛ لأنه ذهب هباء، وربما لهواً وضياعاً وتيهاً.

فمنا من عمره أربع سنوات، وغيره عشر سنوات، وآخر سنة ونصف...

وللأسف البعض يحاول الابتعاد قدر الإمكان عن طريق الإيمان والالتزام؛ لأنه - باعتقاده - سيحرم من أشياء كثيرة، ولكن المسكين لم يعرف أنه لو سلك هذا الطريق ستُقلب حياته رأساً على عقب، طبعا! إلى السعادة، والهناء، والحبور، والسرور، ويندم على ما فرّط في جنب الله تعالى.

قال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {يقولُ اللَّهُ عزَّ وجَلّ: مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها أَوْ أَزْيَدُ، ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ، فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ. وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً، ومنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذرَاعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً، وَمَنْ أَتاني يمشي، أَتَيْتُهُ هَرْولَةً، وَمَنْ لَقِيَني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بمثْلِها مغْفِرَةً} رواه مسلم.

 

وهذه قصة روتها إحدى الأخوات عندما بلغت العشرين من عمرها:

(ولدت منذ عشرين عاماً وعمري سنتان)

«منذ أيام ٍمعدودات أتممتُ عشرين سنةً من وجودي في هذه الدنيا، ولكن أنا الآن عمري سنتان! أقصد أن عمري الزمني عشرون سنة، وعمري الإيماني سنتان. ثماني عشرة سنة مرت من حياتي بصورةٍ ما، وبصورةٍ أخرى تمضي سنتان حافلتان بالقرب من الله عز وجل، فالقسم الأول مر بشكلٍ لا يُرضيني، لا أقول بأنني كنت أرتكب المعاصي، لا! لا سمح الله ولا قدر!! فأنا من أسرةٍ مُلتزمة، نشأتُ وترعرعتُ على حب الخير للناس، وحب مساعدة الآخرين، لا بشراً فحسب، بل مساعدة المخلوقات كلها، أصلّي.. أقرأ القرآن.. أنصح بعض زميلاتي في المدرسة بالصلاة وغير ذلك. وبعد أن أنهيت ثمانية عشر عاماً، وبدأت العطلة الصيفية، بدأ القسم الثاني من حياتي، وجاء اليوم الذي لا أنساه ما دام في جسدي قلبٌ ينبض، وفي عروقي دمٌ يجري. أمسكت القرآن.. وقلت لنفسي: عليكِ أن تعاودي حفظ القرآن من جديد، كل هذه السنين مرت هباءً، كفاكِ استرخاءً، عليكِ بالعمل، قبل أن يُباغتَكِ الأجل. وفعلاً بدأت بأول صفحةٍ من سورة البقرة، كان هذا صعباً في البداية، فالقاعدة التي أؤمن بها: كل شيءٍ بأوله صعب، ولكن أجبرت نفسي على متابعة الحفظ، فوجدتُ أني قد سررت كثيراً بما أفعل، ولم يعد هناك شيء فيه صعوبة، لم أكن أسمع دروس العلم ظناً مني أن حالي التي أنا عليها هي الحال التي تُرضي مولاي جل وعلا، ولكن في أحد الأيام أيضاً قلت لنفسي: كفاكِ هدراً للوقت، وبدأت بسماع أول درس، ودرساً بعد درس دخلت باب الإيمان، ووُلِدتُ من جديد، فبعد أن كانت صلاتي شكلية بدأتُ أصلي في أتم خشوع، وبدأ الدمع ينهمر من عَينَي في الصلاة، ووجدتُ التجليات تنهال علي من رب السماوات، وبعد أن كنت أمر مرور الكرام على صفحات كتاب الله، أصبحت أقرأ آياته بتدبر، وبعد أن كان رمضان كغيره من الشهور أصبح اليوم شهراً آخر، وكلما انتهى رمضان أنتظر بتلهفٍ عودته، لأتعرض فيه لنفحات خاصة من الإيمان.

مع هذا التغير الكبير، أمضيت شهراً وأكثر في سعادةٍ ما بعدها سعادة، وقربٍ ما بعده قرب، وتلك هي الشِّرّة التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الشّريف: {إن لكل عملٍ شِرة، ولكلّ شِرةٍ فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك}.

فبعد أن يتعرف العبد على خالقه، يُمضي فترةً من الأحوال لا ترقى إليها أية حال، وبعد أن تنتهي هذه المدة الزمنية يعود بعد فورته إلى وضعه الطبيعي، إما راسخاً وثابتاً على الإيمان، أو عائداً إلى الضّلال عياذاً بالله. وفعلاً بعد هذا الشهر عدت من فورتي إلى وضعي الطبيعي، وأحمد الله أن ثبتني على الإيمان، وأرجوه أن يُديم ثباتي وثبات من يقرأ قصتي من أخواتي وإخوتي...

نداء أوجهه إلى كل من يقرأ هذه الكلمات:

قال تعالى: {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان}. إن لم تكن دخلت جنة الدنيا، فسارع إلى دخولها؛ فوالله إن الساعة لآتية، وشئت أم أبيت ستؤمن، سواء الآن أم في لحظة الممات، فهذا شيءٌ حتمي، إن كنت من الذين يملون كلما سمعوا درساً، وإن كنت ممن يهزؤون كلما رأوا شيخاً أقول لكَ أخي، أقول لكِ أختي: ابدأ حياتك الإيمانية ودع حياتك الفارغة، فكما قلت: سيكون الأمر صعباً في البداية، وفي أمر الهداية لا تنتظر من الله أن يهديك في محض صدفة، الله يهيئ الأسباب ويبعث لك الرسائل، وعليك أنت أن تنوي الدخول في رحابه، لتستنير بنور كتابه، إياك أن تقول غداً! فربما لا يأتي هذا الغد. فلنستظل جميعاً بظل الله، ولتكن حالنا هي حال إبراهيم بن الأدهم حين قال: (لو علم الملوك ما نحن عليه من السكينة، لقاتلونا عليها بالسيوف).

ولطالما بحثنا عن الأنوار في الدروب، فحتماً سنجد ما يُسمى راحة القلوب...»

 -------------------

اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك

وأنتم إخوتي هل ما زلتم أطفالاً؟

أو أنكم وصلتم إلى مرحلة الشباب؟

أو لم تولدوا بعد؟